ج- تعريض الإنسان لمشهد من مشاهد الشجاعة المحمودة، أو معونته بحادثة من حوادث الشجاعة المحمودة، حتى يشعر وجدانه بإكبار الشجاعة وحلاوتها، وبأنها من الفضائل الأخلاقية، وتعريضه لمشهد من مشاهد الجبن، أو التخلى عن معونته بحادثة من حوادث الجبن، حتى يشعر وجدانه بحقارة الجبن ويتقزز منه، ويحس بأنه نقيصة من النقائص الخلقية.
وقد تقع القصة المحكية موقع المشهد المرئى، فتؤثر مثل أثره.
وهكذا يتربى الوجدان الأخلاقى ويكون باستطاعته أن يحرك ويوجه ويؤثر، ويكون أحد الحوافز الذاتية فى كيان الإنسان الداخلى (?).
جعل الإسلام أكبر همه طوال العهد المكى هو تكوين الجيل الربانى، والرعيل القرآنى الأول، من خلال تعهد دائم، وصحبة مباركة، ومراقبة إيجابية، وكانت (دار الأرقم) فى مكة هى أشهر دار للتربية الأساسية التى خرّجت أول أجيال الإسلام وأفضلها، الذين وصفوا بأنهم (رهبان الليل وفرسان النهار).
وأنهم (يكثرون عند الفزع، ويقلون عند الطمع) (?).
وأعظم ما وصفوا به ما جاء فى كتاب الله: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ (الفتح: 29).
وهذا التكوين يقوم على عناصر، أهمها ثلاثة:
العنصر الأول فى التكوين هو: ما يتعلق بتثقيف الفكر، وتنوير العقل، فالإسلام دين ينشئ (العقلية العلمية) ويرفض (العقلية الخرافية) أو (العامية) التى تعتمد على الظن فى موضع اليقين، أو تعتمد على الهوى والعواطف فى مقام لا يغنى فيه إلا الحقائق الموضوعية، وهو ما يرفضه القرآن الكريم، الذى يذم المشركين بقوله: وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً (النجم: 28) ويقول فى نفس السورة: إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى (النجم: 23) وفى سورة أخرى يقول: أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (محمد: 16).