وهذه الحرية قد وهبها الله لعباده من بنى الإنسان؛ لأنه سبحانه عادل لا يظلم.
ومن هنا أهدر كل ما يأتيه الإنسان عن إكراه وقسر سواء فى جانب الإيمان أو الكفر.
فمن أكره على أن ينطق بكلمة الكفر فلا حرج عليه؛ حيث يقول تبارك وتعالى: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ (النحل: 106).
وكذلك من آمن تحت ضغط الظروف القاهرة، ودون إرادة منه فإيمانه مردود عليه، وغير مقبول منه. ففرعون ظل سادرا فى غيه، ينادى: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى (النازعات:
24) حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (يونس: 90) ولكن إيمانه رد عليه، وقيل له: آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً (يونس: 91، 92).
وإذا ارتد الإنسان فى ديار المسلمين بعد أن أسلم مختارا فإن الفقه الإسلامى يرى مجازاته بالقتل باعتبار ذلك الارتداد قادحا فى النظام العام ومهددا لكيان المجتمع، بما يعرف فى التشريعات الحديثة باسم الخيانة العظمى أو العمل على هدم الكيان الاجتماعى.
وبالجملة: فإن نتيجة حريته هذه، وثمرة أعماله التى اختارها ستعود عليه من نوع ما عمل (?).
يقول تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها (9) وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها (الشمس 9، 10).
ويبين القرآن الكريم، أن الإنسان إذا بلغ مبلغ الرشد، وأصبح مسئولا عن تصرفاته ينقسم- بسبب اختياره وإرادته- إلى مهتد وضال، أو إلى طائع وعاص، أو بعبارة أوضح إلى مؤمن وكافر.
وتلك هى المرحلة التى تراها فى كثير من آيات الله البينات، وقد حكم على الإنسان فيها بأحد الوصفين (?).
إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً (2) إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً (الإنسان: 2، 3).
ونلاحظ أن هذا التقسيم إلى مؤمن وكافر عادة ما يكون بعد ذكر ألوان من النعم تستوجب الشكر من جهة، وتتحقق بها المساواة بين الجميع من جهة أخرى، ولا دخل له فيها ولا إرادة، بل هى هبة من الله له من جهة ثالثة.