الآراء الفلسفية القديمة، وتحقيق نظرية جديدة فى الإبصار على أساس الوجود المستقل للضوء كمؤثر خارجى. وكان الحسن ابن الهيثم فى مقدمة علماء المسلمين الذين وضعوا الأسس العلمية السليمة لعلم الضوء والبصريات. وصنف فى هذا العلم كتابا رائدا أسماه «المناظر» واعتمد عليه علماء أوروبا فى عصر النهضة الحديثة.

ووافقت النظرية الجديدة ما سبق أن أخبر به القرآن الكريم من استحالة الرؤية بالعين المجردة فى الظلام، وذلك فى قوله تعالى:

مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ (?)، ففي هذه الآية الكريمة يشبه الله- سبحانه وتعالى- حال المنافقين بمن استوقد نارا، فلما وقع ضوء النار على ما حوله من الأجسام المعتمة ثم تشتت منها كشفها للناظرين. وعند ما ذهب الله بنورهم، أى بذلك الضياء المشتت من الأجسام المعتمة الذى كان يقع على أبصارهم فيعينهم على الإحساس بالرؤية، تولدت ظلمات لا تساعد على الإبصار. وبهذا جعل الله تعالى رؤية الأجسام مرتبطة ارتباطا مباشرا بسقوط النور (أو الضوء) عليها ثم ارتداده منها إلى العين. أما الضوء فى حد ذاته فلا يرى ولا يساعد على رؤية الأشياء دون أن يقع عليها، إذ قد يوجد هذا الضوء بجانب الشيء ولا نراه، مثال ذلك أشعة الشمس التى تمر خلال حجرة مظلمة دون أن تقع على شىء فيها ويكون هواؤها صافيا خاليا من الغبار، فإنها لا تبدد ظلمتها ما لم تقع على شىء يشتتها. والضوء الكشاف الذى يمر فى الليل المظلم بجانب الأجسام المعتمة دون أن يقع عليها فإنه لا يكشفها، ولكنه إذا وقع عليها ثم ارتد إلى الأنظار حدثت الرؤية.

لقد سبق القرآن الكريم إذن إلى القول باستحالة الرؤية فى الظلام، أى فى غياب الضوء المشتت عن الأجسام، وقد لاحظ رواد الفضاء حديثا عقب اختراقهم للغلاف الجوى أن السماء فقدت لونها الأزرق الجذاب الذى نراها به من الأرض، وأصبحت سوداء حالكة رغم سطوع الشمس وتلألؤ النجوم، وما ذلك إلا لعدم وجود الجسيمات الدقيقة الكافية لتشتت الضوء وحدوث الإبصار. كذلك لاحظ رواد الفضاء أن سماء القمر مظلمة دائما لانعدام الغلاف الجوى حول سطحه، وأن الأرض تبدو فى الفضاء كرة مضيئة تسبح وسط ظلام دامس. وقد أوضحت الصور التى التقطها رواد الفضاء أثناء رحلاتهم الفضائية أن الأرض والقمر منيران بأشعة الشمس المنعكسة منهما، وأن السواد الذى يعم الصورة ما هو إلا ظلمة السماء وليلها الدائم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015