قد عرفنا- فى أول هذا البحث- مما قاله العلماء فى تعريف سبب النزول أنه: (ما نزلت الآية أو الآيات فى شأنه أيام وقوعه .. ) إلى آخر التعريف، وبينا أنه لكى تعتبر الحادثة سببا للنزول لا بدّ من مزامنتها لعصر نزول القرآن، أو بعبارة أخرى: وقوعها فى عهد النبى صلّى الله عليه وسلم وقد اكتفى فى التعريف بهذا القيد.
أما السؤال المطروح هنا فهو: هل ينبغى أن تقوم هذه المعاصرة على تقارب زمنى واضح بين السبب ونزول الآيات فيه؟ أو بتعبير آخر:
هل يشترط نزول الآيات فور حدوث سببها؟
أو يجوز أن يتراخى النزول عن الحدوث زمنا، وهل يتحتم تقدم السبب على النزول؟ أو يجوز تقدم النزول على حدوث السبب، وهل هناك فى أسباب النزول المروية ما يدل لهذه الصور عند وجودها؟
إن الجواب على هذه الأسئلة يتطلب نوعا من التتبع لأسباب النزول، وهذا التتبع يسفر عن عدم التلازم بين وقوع الحادث وفورية النزول، بل قد تنزل الآية أو الآيات فور حدوث السبب، وقد يتأخر النزول زمنا، وكل ذلك يعرف بالقرينة أو بالنص وقد لا يصرح بالفورية أو بالتراخى، ولا تقوم على أى منهما قرينة.
وعليه: فإنه يمكن تقسيم أسباب النزول باعتبار الفورية أو التراخى إلى أقسام:
الأول: ما صرح فيه بنزول الآيات فور حدوث السبب، ومثاله: ما ورد فى سبب نزول قول الله تبارك وتعالى: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1) الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2) وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ