الإيمان بالوحى الإلهى ضرورة حتمية للإيمان بالقرآن وبالرسالة؛ لأن الوحى هو وسيلة إنزال القرآن على قلب النبى صلّى الله عليه وسلم كما صرح بذلك فى قوله تعالى: وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها (?) ومن ثم كانت قضية الوحى بأبعادها المختلفة لها عظيم الأهمية فى مجال البحث القرآنى مما يستلزم إلقاء الضوء عليها وإزالة اللبس المكتنف لها.
ويعرّف الوحى لغة: بأنه الإعلام فى خفاء، وأصله كما قال الراغب: الإشارة السريعة. ومجمع القول فى معناه اللغوى: أنه الإعلام الخفى السريع الخاص بمن يوجّه إليه بحيث يخفى على غيره (?). ويتفرع عن هذا المدلول اللغوى عدة معان للوحى كالإشارة والكتاب والرسالة والأمر والتفهيم (?).
أما الوحى بمعناه الشرعى: فهو إعلام الله تعالى لنبىّ من أنبيائه بحكم شرعى ونحوه بطريقة خفية غير معتادة للبشر (?).
وللوحى إطلاقات عديدة ورد بها فى القرآن الكريم مفرعة عن المدلول اللغوى الأصلى لمادة «الوحى» و «الإيحاء»:
فمن ذلك: إطلاق الوحى بمعنى الإلهام الفطرى للإنسان كما فى قوله تعالى:
وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ (?) وقوله تعالى: وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي (?).
ومن ذلك: إطلاق الوحى بمعنى الإلهام الغريزى للحيوان؛ كما فى قوله تعالى:
وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (?).
ومن ذلك: إطلاق الوحى مرادا به الإشارة السريعة على سبيل الرمز والإيماء كما فى قوله تعالى فى حق نبى الله زكريا- عليه السلام-: فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (?).
ومن ذلك: إطلاق الوحى بمعنى وسوسة الشيطان وتزيينه الشر للإنسان؛ كما فى قوله تعالى: وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ