القارئ المعاصر، وقد تصدّر الكتاب ببحوث تتّجه وجهة الأدب الإبداعى، ولكنّها لا تدخل فى صميم المنهج العلمى، وأول صور الإعجاز ما كتبه الرافعى تحت عنوان (آداب القرآن) إذ جعل الأخلاق القرآنية والمسائل التشريعية، والتربية السلوكية إحدى وجوه الإعجاز، والسابقون من أمثال الباقلانى وعبد الجبار وعبد القاهر ممّن خصوا الإعجاز بأبواب مستقلة جعلوا الأسلوب البيانى وحده مدار الارتكاز فى قضية الإعجاز أما الرافعى فافتتح بهذا الفصل موضوعا جديدا مؤكدا أن قواعد الأخلاق قد وجدت من القرآن الركيزة المتبنية لعلم السلوك الإنسانى، فى أسلوب بيانى يجب أن يلتفت إليه معنى ومبنى، وقد قال بصدد ذلك: «وما فرّط المسلمون فى آداب هذا القرآن إلّا منذ فرّطوا فى لغته، فأصبحوا لا يفهمون بيانه، وبالتالى لا يدركون آدابه» (?).
ثم أخذ يعرض آراء السابقين فى الإعجاز، وقد حمل على المتكلمين حملة لا أرى معه الحقّ فيها، فإذا كانت الشّبه التى تحدّت عنها المتكلمون قد فقدت مضمونها فى هذا العصر، فقد كانت من قبل ذات نقد هادم، فإذا كرّ عليها المتكلمون بالنسف المبيد فقد قاموا بواجب يشكرون عليه، كما رفض القول بالصّرفة على المعنى الشائع العام، وهو مرفوض بداهة وقد سبقت الإشارة إلى المعنى الدقيق فى هذا الاتجاه.
وحين تحدّث الرافعى عن الإعجاز الأسلوبى ذكر أنّ العرب حين ورد عليهم أسلوب القرآن رأوا أن ألفاظه هى الألفاظ التى يتداولونها، ولكنّ طريقة نظم هذه الألفاظ ووجوه تركيبها ونسق حروفها فى كلماتها، ونسق الكلمات فى الجمل كلّها جديدة فى بابها، فأحسّوا بعجزهم عن احتوائها، ورأوا أن أسلوب القرآن جنس من الكلام غير ما هم فيه، ولا سبيل إلى محاكاته، إذ هو وجه الكمال اللغوى الذى تشرئب إليه أرواحهم (?).
أما التكرار فى البيان القرآنى فقد خاض فى تعليله كثير من البلغاء ولكنّ الرافعى أتى بالجديد حين ذكر أن التكرار مألوف عند العرب؛ ولكنّه فى النسق القرآنى غير مألوف، إذ أنّ المعنى يتردّد بصور، كلّ صورة منها غير الأخرى وهم عاجزون عن محاكاة الصورة الواحدة فما بالهم بالصّور المتعددة، فكأنّ الرافعى يريد أن يقول لهؤلاء إن القرآن يأتى بالمعنى ويتحداهم أن يأتوا بمثله، فيدركهم