حلاوة تأثيره مع التكرار وكلّ من حفظ القرآن حفظا لا يمل ترديده، وفى كل قراءة يزداد وثوقا واطمئنانا، فوجب علينا أن نتحدث عن الإعجاز من هذه الناحية، ما سببه .. ؟ ولماذا خالف القرآن كلّ ما يكتب، إذ انفرد بهذا التأثير غير المملول.
لقد راجع الأستاذ فريد وجدى التأثير القرآنى لشىء واحد هو أنه روح من عند الله، والروح لا تفقد تأثيرها فهى الموجّهة لكلّ شىء تحل به، وإذا كانت روح القرآن من عند الله فلا يمكن أن تماثلها روح مقال آخر.
وهذا هو السبب فى انقطاع الإنس والجنّ عن محاكاته.
يقول الأستاذ محمد فريد وجدى ملخّصا:
لا نشك فى أنّ القرآن فصيح من ناحية ألفاظه ومعانيه، وقد أخرس بفصاحته فرسان البلاغة وقادة الحكمة. كما بهر الفلاسفة، وألزم الحجة كل ضال، وهو هدى وشفاء لما فى الصدور، وكلّ هذه صفات جليلة تؤثر فى العقل والشعور، والعواطف والميول فتتحكم فيها تحكما آسرا، ولكنّ وراء ذلك كله شيئا واحدا هو الروح الإلهية التى تصل من النفس الإنسانية إلى حيث لا يصل بإزائها كلام آخر، فهى تحلّق فى آفاق لا يرتفع إليها فكر، ولا تجول بخاطر، وهذه الروحانية تظهر عند ما تكون آية من آيات القرآن جاءت على سبيل الاستشهاد وسط كلام سابق ولاحق، فإنك ترى الآية الكريمة تتجلّى بين السطور، وكأنّها الشمس فى رائعة النهار، مهما كانت درجة الكاتب، وعلو منزلته فى البيان. (?)
وإذن فقد جعل الباحث الكبير روحانية القرآن سرّ إعجازه، يردّ بذلك على من يجعلون أساليب القرآن البلاغية من خصائص الإعجاز لأنّ هذه الأساليب من ذكر وحذف وتقديم وتأخير وفصل وصل موجود فى الأساليب البشرية، وليست لها هذا السطو الآخذ للنفوس، هذا ما قاله الرجل ويمكننا أن نقول إن هذه الأساليب البيانية هى صاحبة التأثير الروحى، لأن القرآن قد استعملها استعمالا لم يتفق لسواه، فكانت بهذا الوهج الجاذب مصدر الإعجاز، وإذن فتكون المسألة قريبة بين من يقولون بتأثير الأساليب، وبين الأستاذ وجدى حيث يقول بأن الروح وحدها هى سرّ الإعجاز.
هذا وإذا كان الروح القرآنى سرّا من أسرار الله، فلا يكفى فى تعليل الإعجاز أن نقف عند القول به وحده، بل لا بدّ أن نحلّل ما