جميع أعضائه، فلم يترك مفصلا ولا عظما، وذلك أنهم خافوا مطالبة أبيهم إياهم بأثر باق يشهد بصحة ما ذكروه، فادعوا فيه الأكل ليزيلوا عن أنفسهم المطالبة، والفرس
لا يعطى تمام المعنى، فلم يصلح على هذا أن يعبر عنه إلا بالأكل» (?). وأخذ الخطابى يؤيد قوله بشعر العرب وحديث الرسول مما تكفى الإشارة إليه، وأمثلة كثيرة دفع الاعتراض عنها الخطابى دفعا قويا، وبخاصة ما ذكره فى باب التشبيه عن اعتراض المعترض لموضع التشبيه فى قوله تعالى: كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ (?) فقد ذكر ثلاثة ردود قالها المفسرون من قبل. ولكنه جلاها أحسن تجلية، فنكتفى بالإشارة بها، منتقلين إلى رده على اعتراض من قال فى قوله تعالى: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ (?) أن دخول الباء على كلمة إلحاد لا يفيد جديدا، فرد الخطابى قائلا: إن الباء زائدة- يعنى زيادة إعراب فقط لا زيادة معنى كما هو معروف.
والباء قد تزاد فى مواضع من الكلام، واستشهد بأبيات تدل على الزيادة، وكان عليه أن يذكر المراد من هذه الزيادة فى تقوية المعنى، ولا يكتفى بالمنحى الإعرابى، فالباء هنا تدل على القصد والتعمد وسبق التصميم مما يجعل صاحب الإلحاد مندفعا بجرأة وسطوة، وكأن الأمر قد شغل عليه نفسه، وجعله كل مراده ومبتغاه، هذا ما كان على الخطابى أن يشير إليه، ولعله تركه لفطنة القارئ، ولكن كيف؟ وهو فى مجال الدحض والتفنيد؟
الباقلانى: أول كتاب مستقل بالإعجاز وصل إلينا هو كتاب (إعجاز القرآن) للباقلانى المتوفى سنة 403 هـ وهو عالم متكلم نظار، له مجالس مناظرة وجدل تدل على موهبة قوية فى الحوار، وكتابه عن الإعجاز يقدم صورا من جدله العلمى، بدأه بذكر الملاحدة وما خاضوا فيه من جدل حول كتاب الله اضطره للرد عليهم، ونقد الجاحظ بأنه لم يأت بشيء جديد فى كتابه (نظم القرآن) حيث ردد أقوال المتكلمين من قبله، ثم أنحى باللوم على من قالوا: إن الإعجاز بالصّرفة. فاهما من الصّرفة ما فهمه الكثرة من العلماء دون ما أشرنا إليه من قبل، ويرجع بالإعجاز إلى أشياء منها إخباره بالغيب، وما وقع من قصص الأنبياء السابقين مما روته الكتب السابقة، مع أن رسول الله كان أميّا لا يقرأ ولا يكتب، وقد فاته أن بعض القصص النبوية لم تأت بها الكتب السابقة مثل قصص صالح وهود ومائدة عيسى فمن أين جاء بها الرسول إن لم تكن من عند الله؟! ثم ركز على الركن