من أجاب بأن المراد قارب الوفاة، والأظهر أن التلاوة نسخت أيضا ولم يبلغ ذلك كل الناس إلا بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فتوفى وبعض الناس يقرؤها.
وقال أبو موسى الأشعرىّ: «نزلت ثم رفعت».
وجعل الواحدى من هذا ما روى عن أبى بكر رضي الله عنه قال: «كنا نقرأ: «لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر». وفيه نظر.
وحكى القاضى أبو بكر فى «الانتصار» عن قوم إنكار هذا القسم؛ لأن الأخبار فيه أخبار آحاد، ولا يجوز القطع على إنزال قرآن ونسخه بأخبار آحاد لا حجة فيها.
وقال أبو بكر الرازى: نسخ الرسم والتلاوة إنما يكون بأن ينسيهم الله إياه ويرفعه من أوهامهم، ويأمرهم بالإعراض عن تلاوته وكتبه فى المصحف، فيندرس على الأيام كسائر كتب الله القديمة التى ذكرها فى قوله:
إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى (18) صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى الأعلى: 18 - 19.
ولا يعرف اليوم منها شىء، ثم لا يخلو ذلك من أن يكون فى زمن النبى صلّى الله عليه وسلم حتى إذا توفّى لا يكون متلوا فى القرآن؛ أو يموت وهو متلوّ موجود فى الرسم، ثم ينسيه الله ويرفعه من أذهانهم، وغير جائز نسخ شىء من القرآن بعد وفاة النبى صلّى الله عليه وسلم).
وقال السمرقندى فى «ميزان الأصول» (?):
(أما الجواز فإن نسخ التلاوة- هو صرف القلوب عن حفظ القرآن الدال على كلام الله تعالى- فجائز أن ينتهى الحكم لانتهاء المصلحة وتنسى التلاوة.
أما عين كلام الله تعالى: فلا يتصور عليه النسخ؛ فإنه قديم. قال تعالى: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى (6) إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ الأعلى: 6.
ولكن هذا فى حال جواز النسخ، وهو حال حياة الرسول صلّى الله عليه وسلم.
فأما بعد وفاته- فلا؛ لأن الله- تعالى- أخبر أنه هو الحافظ لهذا القرآن بقوله:
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ أى نحفظه منزلا لا يلحقه تغيير ولا تبديل؛ صيانة للدين الحق إلى آخر الدهر.
أما القسم الأول: فلا خلاف فيه بين العلماء، وأمثلته كثيرة سيأتيك كثير منها إلى جانب ما قد مضى ذكره.
ومعناه: أن الشارع الحكيم إذا نسخ حكما أبدله بحكم أخف منه أو أثقل منه، أو مساو له؛ لحكمة نعلمها أو لا نعلمها.