خوف الزيغ والذهاب عن الهدى فتوجل القلوب لذلك.
وقد جمع بينهما فى قوله: تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ الآية 23 من سورة الزمر، فإن هؤلاء قد سكنت نفوسهم إلى معتقدهم ووثقوا به، فانتفى عنهم الشك (?). أه.
هذه هى أهم الأسباب التى تؤدى إلى توهم التعارض بين بعض النصوص القرآنية.
وقد عرفنا طريقة الجمع بين ما يبدو لغير المتأمل أنه متعارض، وذكرنا قول الصيرفى فى هذا.
ونضيف إليه ما قاله أبو إسحاق الإسفرايينى فى تعذر الجمع؛ تتمة للفائدة.
قال- رحمه الله: (إذا تعارضت الآى، وتعذر فيها الترتيب والجمع؛ طلب التاريخ وترك المتقدم منها بالمتأخر، ويكون ذلك نسخا له، وإن لم يوجد التاريخ وكان الإجماع على استعمال إحدى الآيتين علم بإجماعهم أن الناسخ ما أجمعوا على العمل به. ولا يوجد فى القرآن آيتان متعارضتان تعريان عن هذين الوصفين). (?) أهـ.
(3) وخلاصة هذا البحث: أن من تدبّر فى كتاب الله- تعالى- وكان مزوّدا بالعلم ونور البصيرة- لن يجد فيه تناقضا ولا اختلافا أبدا.
يقول الله- عز وجل-: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً.
وفى دعوة القرآن إلى تدبره تكريم للإنسان وتنبيه له إلى الوظيفة التى خلق من أجلها، وشهادة له من الله- تبارك وتعالى- على قدرته فى استقبال ما يراه وما يسمعه بفكر لو استعمله بحق لعرف قدر نفسه، وأدرك الحكمة من خلقه، واستوعب الدرس من كتاب ربه، وعلم علم اليقين أن هذا القرآن كتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
وقد نزل على الرسول صلّى الله عليه وسلم بحضرة رجال كانوا أحرص الخلق على أن يجدوا فيه مغمزا أو مطعنا، وهم أصحاب ملكات قوية فى الفصاحة والبيان، وقد تحداهم الله أن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا كل العجز؛ فدل ذلك على أن غيرهم أعجز، فلا يدّعى مدّع أن فى هذا القرآن شيئا ما من التناقض. فمن فعل فقد سفه نفسه وفقد حسه وتولى كبره.