فإنه يبدو لغير المتأمل أن فى هذا اجتماع الضدين، والجمع بين الضدين محال.

والجواب: أن الجمع بين الضدين باعتبارين مختلفين جائز.

فقد أضاف الله تعالى القتل إليهم والرمى إليه صلّى الله عليه وسلم على جهة الكسب والمباشرة، ونفاه عنهم وعنه باعتبار التأثير.

(أى: فلم تقتلوهم أنتم بقوتكم وقدرتكم، ولكن الله قتلهم بنصركم وتسلطكم عليهم وإلقاء الرعب فى قلوبهم. وما رميت تلك الرمية التى نتج عنها هذه الآثار العظيمة حقيقة حين فعلتها صورة). أفاده أبو السعود فى تفسيره (?).

(ب) ومثله قوله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ البقرة: 29، وقوله سبحانه: قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ (11) فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها مع قوله تعالى: أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها (27) رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها (29) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها النازعات:

27 - 30.

فهذه الآيات تبدو لمن لا علم له بأساليب البيان فى القرآن أنها متعارضة، مع أن الجمع بينها ممكن فنقول:

إن الله- عز وجل- بيّن لنا فى آية البقرة أنه خلق الأرض وما فيها إجمالا، ثم خلق سبع سماوات لم يبين لنا كيف بناها وكيف أغطش ليلها وأخرج ضحاها؛ بناء على ما تقدم نزوله فى سورتى فصلت والنازعات.

وبين لنا فى سورة فصلت أنه خلق الأرض فى يومين وجعل لها رواسى من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها فى يومين آخرين بالإضافة إلى اليومين الأولين فيصير مجموع الأيام أربعة، ثم بيّن أنه استوى إلى السماء وهى دخان فقضاهن سبع سماوات فى يومين.

وبذلك يزول بعض الإشكال، ويبقى بعضه، وهو ما يتعلق بالجمع بين هذه الآيات وآيات النازعات.

والجواب أن يقال: إن الله- تعالى- خلق الأرض أولا قبل السماء غير مدحوة، ثم استوى إلى السماء فسواهن سبعا فى يومين،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015