(3) (أ) أن يكون المبهم فى موضع استغنى ببيانه فى موضع آخر، كما فى قوله تعالى:
مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ الفاتحة: (4). فإنه مبهم على الجملة، بينه الله بشيء من التفصيل فى قوله- جل وعلا- فى سورة الانفطار (17 - 19):
وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (17) ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (18) يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (19).
وقوله: صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ بينه الله بقوله فى سورة النساء: 69: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ.
(ب) أن يكون المبهم معينا باشتهاره عند المخاطبين بأى طريقة من طرق الاشتهار.
فقد أخفى اسم حواء فى القرآن لاشتهاره بين الناس قديما وحديثا، فوصفت بوصف يحدد صلتها بآدم- عليه السلام- ومصيرها معه فقال- جل وعلا- فى سورة البقرة: 35:
وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ.
(ج) قد يبهم الاسم بقصد الستر عليه؛ ليكون أبلغ فى استعطافه وإظهار منّة الله عليه، وهذا غالب ما جاء فى القرآن.
(د) وقد يكون إبهامه لهوانه على الله وعلى الناس.
(هـ) وقد يكون إبهامه لأن أمثاله فى الناس كثير، فيكون إبهامه مجرد مثل يذكر فيكشف عن طبع أو وضع معين يعرف بالقرائن الظاهرة فيحاكيه الناس فيه إن كان محمودا، ويتقونه إن كان مذموما.
وقد ضرب الزركشى فى «البرهان» أمثلة كثيرة لهذا النوع؛ معتمدا فى ذلك على أسباب النزول.
كقوله تعالى: أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ البقرة (100) قيل: هو مالك بن الصّيف.
يروى ابن هشام فى السيرة عن ابن إسحاق، والقرطبىّ فى تفسيره: أن مالك بن الصيف حين بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم وذكر لهم ما أخذ عليهم من الميثاق وما عهد الله إليهم فيه قال: والله ما عهد إلينا فى محمد عهد، وما أخذ له علينا من ميثاق؛ فأنزل الله فيه:
أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً.
(و) أن يكون المبهم سهلا فى إدراكه لا يحتاج إلى إعمال فكر وإنعام نظر، فيكون ذكره- حينئذ- عبئا على الأسلوب من جهة وعدم ثقة فى مدارك العقول من جهة أخرى.
والقرآن من شأنه أن يخاطب العقول الواعية، ويدربها على التأمل والنظر وإدراك الحقائق بالقرائن المتاحة؛ كالنظر فى القرآن