على الصحيح: قوله تعالى: وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ البقرة: 281.
ومن هنا نعلم: أن القرآن الكريم وحدة عضوية وموضوعية، يرتبط أوله وآخره برباط واحد. فمن نظر فيه من أوله إلى آخره نظرة متعمقة آمن إيمانا لا يخالجه شك أن هذا القرآن آخذ بعضه بحجز بعض فى تناسق تام وانسجام فريد يؤكد أن أعلاه مثمر وأسفله مغدق، وأنه يعلو ولا يعلى عليه.
شهد بذلك كل منصف له فهم ثاقب بأسرار البلاغة وأساليب البيان. وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ الشعراء 192 - 195.
4 - وأول ما نزل من القرآن الكريم بإطلاق- عند جمهور المحققين- أوائل سورة العلق إلى قوله جل شأنه: عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ.
وذلك لما رواه البخارى ومسلم (واللفظ للبخارى) عن عائشة أم المؤمنين- رضى الله عنها- قالت: «أول ما بدئ به رسول الله صلّى الله عليه وسلم من الوحى الرؤيا الصالحة فى النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبّب إليه الخلاء وكان يخلو بغار حراء فيتحنّث- يتعبد- فيه الليالى ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو فى غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ، قال:
ما أنا بقارئ، قال: فأخذنى فغطنى حتى بلغ منى الجهد ثم أرسلنى، فقال: اقرأ، قلت:
ما أنا بقارئ؛ فأخذنى فغطنى الثانية حتى بلغ من الجهد ثم أرسلنى فقال: اقرأ؛ فقلت:
ما أنا بقارئ؛ فأخذنى فغطنى الثالثة ثم أرسلنى، فقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الحديث» (?).
(2) [اول ما نزل من القرآن]
وقيل: إن أول ما نزل من القرآن أوائل سورة المدثر. واستدل أصحاب هذا القول بما رواه البخارى ومسلم عن أبى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أنه قال: سألت جابر ابن عبد الله: أى القرآن أنزل قبل؟ فقال:
يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ؛ فقلت: أو اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ وفى رواية نبئت أنه اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ فقال: أحدثكم ما حدثنا به رسول الله صلّى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إنى جاورت بحراء، فلما قضيت جوارى نزلت فاستبطنت الوادى- زاد فى رواية: فنوديت فنظرت أمامى وخلفى، وعن يمينى وعن شمالى- ثم نظرت إلى السماء فإذا هو- يعنى جبريل- زاد فى رواية: جالس على