أثبت الله القرآن فى اللوح المحفوظ ثم أنزله إلى بيت العزة فى السماء الدنيا جملة واحدة فى ليلة مباركة من شهر رمضان- هى ليلة القدر، ثم أنزله على نبيه- عليه الصلاة والسلام- بواسطة جبريل- عليه السلام- فى نحو ثلاثة وعشرين عاما هدى للناس وتبيانا لكل شىء.
ودليل إثباته فى اللوح المحفوظ قوله تعالى:
بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (22) البروج: 21 - 22.
ودليل نزوله إلى بيت العزة جملة قوله- جل وعلا: شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ البقرة: 185. وقوله سبحانه: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ القدر (?).
(2) والحكمة فى تنزيله مفرقا تتلخص فيما يأتى:
(أ) تثبيت قلب النبى صلّى الله عليه وسلم، وتسليته ومواساته، ورفع الحرج عنه، وإزالة ما يعترى صدره من ضيق وحزن، وإدخال السرور عليه الفينة بعد الفينة، ومده بالقوة التى تدفعه إلى المضى فى دعوته، وتبليغ رسالته على خير وجه وأكمله، وتهون عليه ما يلقاه من قومه من أذى، وعنت، وصدود، وليدفع عنه شبح اليأس كلما حام حوله، واعترض طريقه لتظل همته دائما فى الذروة العليا.
(ب) ومن أهداف التنجيم أيضا تيسير حفظ هذا القرآن العظيم على النبى صلّى الله عليه وسلم وعلى أصحابه، وقد كان أكثرهم لا يقرأ ولا يكتب ولا عهد لهم بمثل هذا الكتاب المعجز؛ فهو ليس شعرا يسهل عليهم حفظه، ولا نثرا يشبه كلامهم يسهل عليهم نقله وتداوله، وإنما هو قول كريم ثقيل فى معانيه ومراميه، يحتاج المسلم فى حفظه وتدبره إلى تريث وتؤدة وإمعان نظر.
(ج) ومن أهم الأهداف التى أنزل من أجلها القرآن مفرقا: التدرج بالأمة فى تخليهم عن الرذائل، وتحليهم بالفضائل، والترقى بهم فى التشريعات، فلو أنهم أمروا بكل الواجبات، ونهوا عن جميع المنكرات دفعة واحدة لشق عليهم، ولضعفت الهمم الصغيرة عن التجاوب والمسايرة.