الذى نزل بحكم ما على سبب خاص لا خلاف فى تعميم حكمه على كل الحالات التى يتناولها، من أفراد السبب وغيرها، لكن الخلاف فى كيفية استفادة الحكم بالنسبة لأفراد غير السبب (?): فالجمهور يرى أن استفادة الحكم فيها بطريق النص كما فى أفراد السبب، أما غيرهم فيرون أن الحكم فى صورة غير السبب يكون بطريق القياس وليس بالنص، بمعنى أنهم لا يقولون بامتناع ثبوت الحكم فى غير صورة السبب مما هو من نوعه بل يقولون بتعديته إليه بطريق القياس، أما أدلتهم فهى كما يلى:

أولا: أدلة الجمهور:

(أ) أن المعوّل فى الاحتجاج على لفظ الشارع وحده- أى النص القرآنى- لا على السؤال أو السبب الذى نزلت الآيات فى شأنه؛ لهذا نرى أن اللفظ القرآنى فى بعض الأحوال قد يعدل بالجواب عن سنن السؤال وذلك لحكمة وفائدة فى مجال التوجيه والتربية، كأن يرد السؤال عن شىء بذاته، فيوجه الجواب السائل إلى شىء آخر هو أولى بالاهتمام وهو الذى كان من المفروض أن تتحرّى معرفته، وذلك كما فى قول الله سبحانه: يَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ البقرة/ 215.

فالسؤال فى الآية قد توخى معرفة ما ينبغى أن ينفق، والجواب توخى الإعلام بالجهات التى ينبغى أن توجه إليها النفقة لأنه أنسب فى هذا الموضع.

(ب) أن اللفظ القرآنى عام فيجب بقاؤه على عمومه، لأن الأصل فى الألفاظ حملها على معانيها الأصلية المتبادرة، ولا يجوز صرف اللفظ عن معناه الذى وضع له إلا لقرينة تمنع بقاءه على هذا الأصل، وكون اللفظ القرآنى قد نزل على سبب خاص، فذلك ليس قرينة على التخصيص، لأنه لا مانع أن يكون السبب الخاص وسيلة لبيان حكمه، وحكم كل ما هو على شاكلته، بل إن العدول- فى ذاته- عن ربط الحكم بالخاص إلى ربطه بالعام دليل على قصد العموم.

(ج) أن الصحابة- رضوان الله تعالى عليهم- ومن بعدهم قد تمسكوا- فيما نزل على أسباب خاصة- بما أفادته ألفاظ القرآن النازل من العموم، واحتجوا بذلك على وقائع لم تكن أسبابا لنزول الآيات، بل شابهتها، وذلك من غير حاجة إلى دليل آخر كالقياس ونحوه.

فنراهم قد استدلوا على حكم الظهار، وما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015