الشاذ الذى يستحق أن يشتغل بتوجيهه هو الشاذ الوارد بسند مقبول، أو الذى عرفنا العلماء أنه مقبول، فاشتغلوا به رواية، ودراية.
وحكم الشاذ من حيث الاحتجاج به فى الأحكام الأدبية، والشرعية له موضعه من هذا البحث.
وتوجيهه علم من العلم، وكثيرا ما يصعب إدراك وجهه، ولهذا صار يقال بشأنه: إن توجيه القراءة الشاذة أقوى فى الصناعة من القراءة غير الشاذة (?).
وقد أتى علم التوجيه للمتواتر، وللشاذ ثمارا منهما معجبة بارعة فى المجالات العلمية المختلفة ذات العلاقات بتلك القراءات.
رغم أن التوجيه تفسير إلا أنه عمل متميز- كما سلف- ولهذا صح أن نقول: إنه ذو أثر متميز فى إبراز معان قرآنية لا يتيسر استشرافها فى كتب التفسير، قال الشيخ طاهر الجزائرى: (واعلم أن المشتغلين بفن القراءات وتوجيهها يلوح لهم من خصائص اللغة العربية ودلائل إعجاز الكتاب العزيز ما لا يلوح لغيرهم، ويحصل لهم من البهجة ما يعجز اللسان عن بيانه، فينبغى لمن سمت همته أن يقدم على ذلك، بعد أن يقف على الفنون التى يلزم أن يوقف عليها من قبل، فالأمر يسير على من جد جده، والله ولى التوفيق) (?).
ونكتفى بنموذج، فنقول:
قرئ فى العشر الكبرى قوله تعالى:
وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً (الحديد: 27): (رآفة) بمد الهمزة، و (رأفة) بسكونها.
وهما مصدران لا فرق بينهما فى المعنى عند المفسرين.
ولم يقرأ فى العشر إلا بسكون الهمزة فى قوله تعالى: وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ (النور: 2).
وتوجيه ذلك أن زيادة المبنى فى (رآفة) تدل على زيادة المعنى، فهى رأفة عظيمة، وكيف لا وهى من إيجاد الله تعالى إيجادا خاصا.
أما فى سورة النور فالمقام مقام نهى عن أى رأفة فى تنفيذ حكم الله تعالى فى مرتكبى الفاحشة، لا نهى عن رأفة عظيمة (?).
ومن أراد العديد من النماذج وجد (?).
...