فيجب على المفسر أن ينظر إلى الأسباب التى أدت إلى هذا الإيهام، ثم يقوم بإزالة هذا التعارض الظاهرى.
ومن وسائل تفسير القرآن بالقرآن، بيان ناسخه من منسوخه، والمراد من النسخ هنا:
رفع الحكم الشرعى بدليل شرعى متأخر.
وإنما يجب على المفسر بيان ذلك، حتى لا يظن جاهل أن هناك تعارضا بين نصوص القرآن الكريم فى الحكم على الشيء الواحد بأكثر من حكم، بالجواز والمنع، أو بالحل والحرمة، أو بالأمر والنهى، وحتى يعرف المسلم آخر حكم استقر عليه الأمر فى نهاية المطاف، فيعمل بالناسخ، ويترك المنسوخ، دون أن يفعل العكس.
ذكرنا قريبا أن السنة هى المصدر الثانى من مصادر التفسير بالمأثور، الذى يجب أن لا يتخطاه المفسر، بعد أن لم يجد ما يفسر به من خلال القرآن ذاته.
وإنما قلنا: إنه لا يجوز للمفسر أن يتخطى التفسير النبوى لتوافر الأدلة على ذلك، من القرآن والسنة والإجماع.
فمن الأدلة القرآنية: قوله تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [النساء: 65].
وقوله تعالى: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [النحل: 44].
ومن الأدلة النبوية: قوله صلّى الله عليه وسلم: (ألا إنى أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه، وإن ما حرم رسول الله كما حرم الله). (?)
أما الإجماع: فإن الأمة سلفا وخلفا انعقد قولها على حجية السنة، قال الإمام الشافعى رحمه الله: «أجمع الناس على أن من استبانت له سنة رسول الله صلّى الله عليه وسلم، لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس». (?)
ومن البدهى الذى نود تقريره هنا أن الرسول صلّى الله عليه وسلم لم يفسر كل القرآن الكريم، والأدلة على ذلك كثيرة، من القرآن والسنة والعقل: