بالتواتر، والذى يظهر فى الجواب أن الذى أشار إليه أن فقده فقد وجودها مكتوبة لا فقد وجودها محفوظة، بل كانت محفوظة عنده وعند غيره، و «يدل على هذا قوله فى حديث جمع القرآن: فأخذت أتتبعه من الرقاع والعسب».
كم مصحفا نسخ عثمان من الصحف البكرية؟ اختلف الناس فى عدد المصاحف التى نسخها عثمان من الصحف، وأقل ما قيل فى العدد: أربعة، وأكثر ما قيل تسعة، والظاهر الذى يتفق مع طبيعة الأمور هو وفرة العدد ولا سيما مع قول أنس بن مالك فى حديث البخارى الذى نقلناه لك فى هذا الجمع:
«وأرسل إلى كل أفق بمصحف»، فإنه صريح فى أن المصاحف كانت بعدد الأقطار التى انتشر فيها الإسلام، وإنما كان هذا متفقا مع طبيعة الأمور لأن الغرض هو القضاء على خلاف المختلفين وجمع الكل على مصحف واحد، ولا يتحقق هذا على الوجه الصحيح إلا بأن يرسل إلى كل أفق بمصحف كما قال أنس رضي الله عنه.
أين ذهبت الصحف البكرية؟ تبين من حديث زيد بن ثابت فى الجمع البكرى أن الصحف التى جمع فيها القرآن ظلت عند أبى بكر حتى مات، ثم عند عمر حتى مات، ثم عند حفصة. كما تبين من حديث أنس فى الجمع العثمانى أنهم لما نسخوا الصحف فى المصاحف ردها عثمان إلى حفصة. فبقيت عند حفصة طول حياتها دون أن تبالى- رضى الله عنها- بطلب مروان بن الحكم- الذى ولى المدينة بعد وفاة علىّ من قبل معاوية بعد أن آل الأمر إليه- المتكرر لتلك الصحف، فلما ماتت أرسل إلى أخيها عبد الله ابن عمر بالعزيمة أن يرسل إليه بالصحف ففعل، فشققها مروان ثم غسلها بعد ذلك، أو حرقها، أو فعل الأمرين على ما تفيده الروايات التى ذكر الحافظ فى «الفتح» فى هذا المقام.
والله أعلم.
أ. د./ إبراهيم عبد الرحمن خليفة