الأسباب حتى إنها قد يتلاشى الإجمال فى بعضها.
يتضح من الأمثلة السابقة عند عرض أسباب الإجمال وقوع المجمل فى القرآن خلافا لدواد الظاهرى. ولكن هل يبقى على إجماله؟ خلاف بين العلماء، والصواب عندى:
أنه لا يكون كذلك، على ما أثبتناه من أن الحق فى المتشابه علم الراسخين بتأويله، وقيل: يبقى مطلقا، وقيل: لا يبقى فى مواطن التكليف. وكل هذا ضعيف سوى الأول.
ذكر السيوطى نماذج: منها: آية السرقة قيل: مجملة؛ لأن اليد تطلق على العضو إلى الكوع وإلى المرفق وإلى المنكب، ولا ظهور لواحد منها، وأبان الشارع المراد، وقيل: لا إجمال فيها؛ لأن القطع ظاهر فى الإبانة.
ومنها وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ (?) قيل: إنها مجملة لترددها بين مسح الكل والبعض، ومسح الشارع على الناصية مبين، وقيل: لا، إنما هى لمطلق المسح الصادق بأقل مسح.
ومنها: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ (?) بنسب الحرمة للعين، ولا حرمة فيها، فهى مجملة؛ لأنه لا بدّ من تقدير لفعل وهو محتمل. وقيل: لا، لوجود المرجح وهو العرف بتحريم الاستمتاع.
ومنها: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا (?) قيل: مجملة؛ لأن ما من بيع إلا وفيه زيادة، وقيل: لا؛ لأن البيع منقول شرعا فحمل على إطلاقه وعمومه.
ومنها: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ (?) ووَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ (?).
والآيات التى فيها الأسماء الشرعية لاحتمال إرادة معانيها اللغوية فافتقرت للبيان، وقيل: لا، بل تحمل على الشرعية إلا بدليل.
فرق بينهما ابن الحصار (?) - بعد أن ذكر أن من الناس من ساوى بينهما- بأن المجمل:
اللفظ المبهم الذى لا يفهم المراد منه، والمحتمل: الواقع بالوضع الأول على معنيين مفهومين فصاعدا. والمجمل يدل على أمور معروفة، والمحتمل متردد بينها، والشارع لم يفوض لأحد بيان المجمل بخلاف المحتمل (?).