الجزرى (?) من فوائد لنزول القرآن على سبعة أحرف.
4 - أن التيسير بتعدد الأحرف تأخر إلى العهد المدنى، هذا ما يفهم من حديث أبىّ عند مسلم وفيه: (أن النبى صلّى الله عليه وسلم كان عند أضاة بنى غفار قال: فأتاه جبريل- عليه السلام- الحديث). حيث كانت هذه الأضاة بالمدينة كما قال الحافظ رحمه الله فى (الفتح): وأضاة بنى غفار هى بفتح الهمزة والضاد المعجمة بغير همز وآخرة تاء تأنيث:
مستنقع الماء كالغدير وجمعه أضا كعصا، وقيل بالمد (?) والهمز كإناء، وهو موضع بالمدينة النبوية ينسب إلى بنى غفار بكسر المعجمة وتخفيف الفاء- لأنهم نزلوا عنده» (?). والظاهر أن هذا التأخر إنما كان لعدم الحاجة- فى العهد المكى- إلى تعدد الأحرف لعدم انتشار الإسلام والقرآن آنئذ بين أحياء العرب، وقصوره على القلة المؤمنة به، وأغلبهم من قريش الذين أرسل النبى صلّى الله عليه وسلم بين ظهرانيهم، وأن القرآن المكى كان على أفصح لهجة مشهورة ومستفيضة فى جميع بطون قريش، وأن هذه اللهجة كانت بالتالى مفهومة وميسرة لأولئك القلة المؤمنين به، فلم تمس حاجتهم وقتئذ إلى المزيد من التيسير، فلما كانت الهجرة إلى المدينة وبدء انتشار الإسلام بين العرب وفيهم من يمكن ألا يتقن تلك اللهجة، مست الحاجة إلى التيسير بتعدد الأحرف، وشمل هذا التعدد عندئذ بطبيعة الحال جميع القرآن مكيه ومدنيه من قبل أن التكليف هو بكل القرآن لا ببعضه دون بعض، كما شمل تشريع هذا التعدد جميع الناس منذئذ لا فرق فى ذلك بين قرشى وغير قرشى من قبل أن الكل فى التشريع سواء.
ومن هنا اختلفت الأحرف المقروء بها سورة الفرقان المكية مثلا بين عمر بن الخطاب وهشام بن حكيم بن حزام وهما قرشيان، كما اختلفت بين أبىّ الأنصارى وغيره فى سورة النحل المكية أيضا، وقراءة عبد الله بن مسعود وآخر فى سورة من حم المكيات كذلك، إلى آخر تلك الوقائع.
وهكذا وجدنا القراءات العشر المتواترة المنسوبة إلى القراء العشرة لا تفرق فى تعددها واختلافها بين مكى ومدنى من الذكر الحكيم، بل تعمها جميعا وعلى حد سواء، كما لا تفرق فى تلقيها وأدائها بين أحد من الناس، بل ورث القراءة بها فى الكل والإقراء بها للكل كابرا عن كابر، ثم لم يزل الأمر على هذا الشمول للمقروء وقرائه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها إن شاء الله تعالى.
ولعل ما قلناه من نزول القسم المكى من القرآن أول ما نزل بتلك اللهجة المستفيضة