أما نسبة القول فى الحديث القدسى له سبحانه وتعالى فنسبة مألوفة معروفة فى العربية. وإنما لم نسمّ بعض الحديث النبوى بالقدسى لأننا لم نقطع بنزول معناه كما قطعنا فى الحديث القدسى؛ لورود النص بقوله صلّى الله عليه وسلم فى القدسى: «قال الله تعالى». هذا مع تلقينا لكل سننه صلّى الله عليه وسلم بالقبول بقسميها التوفيقى والتوقيفى لقوله تعالى: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا (الحشر 7).
وجعل التنزيل متعلّقا لقوله فى التعريف (على محمد صلّى الله عليه وسلم) قيد ثان يخرج المنزل على غيره صلّى الله عليه وسلم من ملائكة ورسل وأنبياء آخرين كصحف إبراهيم، وتوراة موسى.
وقولنا فى هذا التعريف: (للإعجاز بسورة منه) المقصود به إظهار عجز المرسل إليهم وصدق النبى صلّى الله عليه وسلم، وهذا الإعجاز يكون بأى سورة- ولو الكوثر أقصر سورة أو ما فى قدرها- وهذا المعنى يفيد أن الإعجاز لم يكن بالقرآن كله كما فى آية الإسراء، ولا بعشر سور كما فى آية هود، بل بسورة واحدة. وجاء بها نكرة فى سياق الشرط ليعممها كما فى آية البقرة: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ليدلّ إطلاقها على صدقها بأى سورة ولو أقصرها، ويفيد أيضا أن المراد بالقرآن المعرف هو المجموع الشخصى الذى لا يقال إلّا على كل القرآن دفعة واحدة، ويفيد أيضا منع توهم بعض الجاهلين أن الإعجاز لا يكون إلّا بما هو أكبر من سورة الكوثر مثلا.
وعليه فقولنا: (للإعجاز بسورة منه) قيد ثالث اكتفى به بعض المعرفين؛ للاحتراز عن الكلام غير المعجز المنزل من عنده سبحانه وتعالى، وعن المنسوخ، وهذا صنيع ابن
الحاجب، ورأى ابن السبكى فى «جمع الجوامع» عدم الاكتفاء به، وجعله مخرجا للأحاديث القدسية.
وقولنا: (المنقول إلينا بالتواتر) قيد رابع يخرج المنقول أحاديا، كمنسوخ التلاوة إن نقل آحادا بسند صحيح أو حسن، ويخرج أيضا القراءات الشاذة.
وأرى أن قيد التواتر فى التعريف إنما هو لبيان الواقع لا للإخراج؛ لأن القراءات الشاذة ومنسوخ التلاوة خرجا بقيد الإعجاز السابق.
وكذلك قولنا: (المكتوب فى المصحف) فإنه لا يخرج شيئا. وإن كان بعض الأئمة كأبى حامد الغزالى فى «المستصفى» ألّف بين القيدين (التواتر والكتابة فى المصحف) واكتفى بهما عن غيرهما. وهو صنيع صدر الشريعة فى تنقيحه وتوضيحه. فعرف هؤلاء