كان إلى الغرب والشمال من الجزيرة العربية المملكة البيزنطية «الروم» ، وفى يديها مصر والشام، وإلى الشرق والجنوب منها مملكة الفرس وفى يديها العراق واليمن، وكلتا المملكتين كانت طامعة فى السيطرة على الجزيرة العربية، وكانت بينهما بسبب ذلك حروب طاحنة امتدت حقبة طويلة.
ولقد أظل الإسلام الجزيرة والحرب قائمة، لم تخمد نارها إلا مع العام الثامن والثلاثين بعد الستمائة. وحين أخفق الروم فى بسط نفوذهم على الجزيرة حربا أخذوا ينفذون إليها سلما، فمدوا أيديهم إلى الغساسنة فى شمالى الجزيرة يجعلون منهم أعوانهم على هذا الغزو السامى، وكما فعل الرومان فعل الفرس، فإذا هم الآخرون يمدون أيديهم إلى المناذرة، ملوك الحيرة فى الشرق، يجعلون منهم أعوانهم على الوقوف أمام الغزو الرومانى.
وإذ كان الروم نصارى لقن الغساسنة طرفا من النصرانية، وإذ كان الفرس مجوسا أخذ المناذرة بطرف من المجوسية، وإذا النصرانية تعرف طريقها إلى الجزيرة العربية عن طريق الشام، كما التمست المجوسية طريقها إلى الجزيرة العربية عن طريق الحيرة، وإذ الحرب التى كان يلتقى فيها السيف بالسيف، تصبح وقد التقى فيها الرأى بالرأى، يقف المجوس، ومن ورائهم اليهود والنصارى، ويقف النصارى للمجوس واليهود، والجزيرة العربية تشهد هذا الصراع فى الرأى فتشارك فيه، موزعة بين المجوسية واليهودية والنصرانية، ويزيد البيئة العربية توزعا توزع اليهود إلى ربانيين وقرائين وسامريين، وتوزع النصارى إلى يعاقبة ونساطرة وأريوسيين، هذا إلى توزع الجزيرة العربية توزعا آخر بين عبادة الكواكب وعبادة الأصنام، وإذ العرب أوزاع