إذا عَلِم الحاكم الخيانة ممّن كان بينهم وبين المسلمين عَهْد؛ فإنّه لا تَحِلّ محاربتُهم إلاَّ بعد إعلامهم بنبذ العهد، وبلوغِ خَبرِهِ إلى القريب والبعيد، حتى لا يُؤخَذوا على غِرّة.
يقول الله- سبحانه- في سورة الأنفال: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ} (?).
قال محمّد بن الحسن في كتاب "السير الكبير": لو بَعث أمير المسلمين إلى مَلِك الأعداء، مَن يُخبره بنبذ العهد عند تحقّق سبَبه، فلا ينبغي للمسلمين أن يُغيروا عليهم وعلى أطراف مملكتهم؛ إلاَّ بعد مُضيّ الوقت الكافي، لأن يبعثَ الملِك إلى تلك الأطراف؛ خَبَر النبْذ حتى لا نأخذَهم على غِزة.
ومع ذلك إذا عَلِم المسلمون يقيناً أن القوم لم يأتهم خبرٌ مِن قِبَل مَلِكِهم؛ فالمستَحبّ لهم أن لا يُغيروا عليهم حتى يعلموهم بالنبذ؛ لأن هذا شبيه الخديعة.
وكما على المسلمين أن يتحرزوا مِن الخديعة، عليهم أن يتحرزوا من شبه الخديعة.
وحدث أنّ أهل قبرص أحدثوا حَدَثاً عظيماً في ولاية عبد الملك بن مروان، فأراد نَبْذ عهدِهم ونقْض صُلحهم، فاستشار الفقهاءَ في عصره، منهم الليث بن سعد ومالك وأنس، فكتَبَ الليث بن سعد: إن أهل قبرص لا يزالون متّهمين