وأمَرَه الله -تعالى- بالجهاد مِن حين بعثَه، وقال: {وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا * فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا} (?). فهذه سورة مكيّة أَمر فيها بجهاد الكفار، بالحُجَّة، والبيان، وتبليغِ القرآن، وكذلك جهادُ المنافقين، إنما هو بتبليغ الحُجَّة، وإلا فَهُم تحت قهر أهلِ الإسلام، قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} (?). فجهادُ المنافقين أصعبُ مِن جهاد الكفار، وهو جهادُ خواصِّ الأمَّه، ووَرَثةِ الرُّسل، والقائمون به أفرادٌ في العالم، والمشاركون فيه، والمعاونون عليه -وإنْ كانو اهم الأقلِّين عدداً- فهم الأَعْظمون عند الله قَدْراً.
ولمَّا كان مِن أفضلِ الجهاد قولُ الحقِّ مع شدة المُعَارِضِ، مِثل انْ تتكلَّم به عند مَن تُخاف سطوتُه وأذاه، كان للرسلِ -صلوات الله عليهم وسلامُهُ- مِن ذلك الحظُّ الأوفَرُ، وكان لنبيِّنا -صلوات الله وسلامُه عليه- مِن ذلك أكملُ الجهاد وأَتّمُّه.
ولمَّا كان جهاد أعداء الله في الخارج؛ فَرْعاً على جهاد العبد نفسه في ذات اللهِ، وكما قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "المجاهدُ مَنْ جَاهدَ نفسَهُ في طاعةِ الله (?)، والمُهاجِر مَنْ هَجَرَ