عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: "يا رسول الله! إِنّي نذرتُ في الجاهلية أنْ أعتكف ليلة في المسجد الحرام، فقال له النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أوفِ نذرك، فاعتكَف ليلةً" (?).
قال الإِمام ابن القيّم -رحمه الله- في "زاد المعاد" (2/ 86): "لمّا كان صلاح القلب واستقامته على طريق سيْره إِلى الله -تعالى- متوقفاً على جمعيّته على الله، ولمّ شَعثه بإِقباله بالكليَّة على الله -تعالى- فإِنَّ شَعَثَ القلب لا يَلُمُّه، إلاَّ الإِقبال على الله -تعالى-، وكان فُضول الطعام والشراب، وفضول مخالطة الأنام، وفضول الكلام، وفضول المنام، ممّا يزيده شَعَثاً، ويُشَتِّتُه في كلِّ وادٍ، ويقطعه عن سيره إِلى الله -تعالى- أو يُضعِفه، أو يُعوّقه ويوقفه؛ اقتضت رحمة العزيز الرحيم بعباده، أنْ شرع لهم من الصوم، ما يُذهب فضول الطعام والشراب، ويستفرغ من القلب أخلاط الشهوات المعوّقة له عن سيْره إِلى الله -تعالى- وشرعه بقدر المصلحة، بحيث ينتفع به العبد في دنياه وأُخراه، ولا يضرُّه ولا يقطعه عن مصالحه العاجلة والآجلة.
وشرع لهم الاعتكاف الذي مقصوده وروحه عكوف القلب على الله -تعالى- وجمعيِّته عليه، والخلوة به، والانقطاع عن الاشتغال بالخلق والاشتغال به وحده -سبحانه- بحيث يصير ذكره وحبه، والإِقبال عليه في محل هموم القلب وخطراته، فيستولي عليه بدلها، ويصير الهمُّ كُلُّه به،