وَالْمَكَايِدِ الْحَرْبِيَّةِ وَالْفِكْرِيَّةِ تُؤْخَذُ مِنْهُمُ الْجِزْيَةُ، وَهُمْ أَوْلَى بِهَا مِنْ عَوَامِّهِمْ، فَإِنَّهُمْ رُءُوسُ الْكُفْرِ، وَهُمْ بِمَنْزِلَةِ عُلَمَائِهِمْ.
وَاخْتَلَفُوا فِي أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنَ الرُّهْبَانِ الَّذِينَ انْقَطَعُوا لِلْعِبَادَةِ فِي الصَّوَامِعِ، وَلَمْ يُخَالِطُوا النَّاسَ فِي مَعَايِشِهِمْ وَمَسَاكِنِهِمْ.
فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةِ الْقُدُورِيِّ، وَمَالِكٌ، وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ، وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ إِلَى أَنَّ الْجِزْيَةَ لاَ تُفْرَضُ عَلَيْهِمْ. وَسَوَاءٌ كَانُوا قَادِرِينَ عَلَى الْعَمَل أَمْ غَيْرَ قَادِرِينَ؛ لأَِنَّ الرُّهْبَانَ لاَ يُقْتَلُونَ وَلاَ يُتَعَرَّضُ لَهُمْ، لِمَا جَاءَ فِي وَصِيَّةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ لِيَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ حِينَ وَجَّهَهُ إِلَى الشَّامِ: " لاَ تَقْتُل صَبِيًّا وَلاَ امْرَأَةً وَسَتَمُرُّونَ عَلَى أَقْوَامٍ فِي الصَّوَامِعِ احْتَبَسُوا أَنْفُسَهُمْ فِيهَا، فَدَعْهُمْ حَتَّى يُمِيتَهُمُ اللَّهُ عَلَى ضَلاَلَتِهِمْ، وَسَتَجِدُونَ أَقْوَامًا فَحَصُوا عَنْ أَوْسَاطِ رُءُوسِهِمْ فَاضْرِبْ مَا فَحَصُوا عَنْهُ بِالسَّيْفِ.
فَإِذَا كَانَ الرَّاهِبُ لاَ يُقْتَل فَهُوَ مَحْقُونُ الدَّمِ بِدُونِ عَقْدِ الذِّمَّةِ، وَالْجِزْيَةُ إِنَّمَا وَجَبَتْ لِحَقْنِ الدَّمِ، فَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ، كَمَا لاَ تَجِبُ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ؛ وَلأَِنَّ الرَّاهِبَ مِنْ جُمْلَةِ الْفُقَرَاءِ؛ لأَِنَّهُ إِنَّمَا تُرِكَ لَهُ مِنَ الْمَال الْيَسِيرُ (?) .