فِي شَرْحِ مَنْظُومَةِ الْكَنْزِ. وَقَدْ أَيَّدُوا هَذَا الرَّأْيَ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ تَفْوِيضِ التَّعْزِيرِ إِِلَى رَأْيِ الْقَاضِي لَيْسَ مَعْنَاهُ التَّفْوِيضَ لِرَأْيِهِ مُطْلَقًا، بَل الْمَقْصُودُ الْقَاضِي الْمُجْتَهِدُ. وَقَدْ ذَكَرَ السِّنْدِيُّ: أَنَّ عَدَمَ التَّفْوِيضِ هُوَ الرَّأْيُ الضَّعِيفُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ (?) .
وَقَال أَبُو بَكْرٍ الطَّرَسُوسِيُّ فِي أَخْبَارِ الْخُلَفَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ: إِنَّهُمْ كَانُوا يُرَاعُونَ قَدْرَ الْجَانِي وَقَدْرَ الْجِنَايَةِ، فَمِنَ الْجَانِينَ مَنْ يُضْرَبُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُحْبَسُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُقَامُ وَاقِفًا عَلَى قَدَمَيْهِ فِي الْمَحَافِل، وَمِنْهُمْ مَنْ يُنْتَزَعُ عِمَامَتُهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُحَل حِزَامُهُ.
وَنَصَّ الْمَالِكِيَّةُ: عَلَى أَنَّ التَّعْزِيرَ يَخْتَلِفُ مِنْ حَيْثُ الْمَقَادِيرُ، وَالأَْجْنَاسُ، وَالصِّفَاتُ، بِاخْتِلاَفِ الْجَرَائِمِ، مِنْ حَيْثُ كِبَرِهَا، وَصِغَرِهَا، وَبِحَسَبِ حَال الْمُجْرِمِ نَفْسِهِ، وَبِحَسَبِ حَال الْقَائِل وَالْمَقُول فِيهِ وَالْقَوْل، وَهُوَ مَوْكُولٌ إِِلَى اجْتِهَادِ الإِِْمَامِ.
قَال الْقَرَافِيُّ: إِنَّ التَّعْزِيرَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ الأَْزْمِنَةِ وَالأَْمْكِنَةِ، وَتَطْبِيقًا لِذَلِكَ قَال ابْنُ فَرْحُونَ: رُبَّ تَعْزِيرٍ فِي بَلَدٍ يَكُونُ إِكْرَامًا فِي بَلَدٍ آخَرَ، كَقَطْعِ الطَّيْلَسَانِ لَيْسَ تَعْزِيرًا فِي الشَّامِ بَل إِكْرَامٌ (?) ، وَكَشْفُ الرَّأْسِ عِنْدَ الأَْنْدَلُسِيِّينَ