13 - الْقَوْل الثَّالِثُ: إِنَّ الإِْنْبَاتَ بُلُوغٌ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ دُونَ بَعْضٍ. وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيَّةِ، وَبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ.
فَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ أَنَّ الإِْنْبَاتَ يَقْتَضِي الْحُكْمَ بِبُلُوغِ وَلَدِ الْكَافِرِ، وَمَنْ جُهِل إِسْلاَمُهُ، دُونَ الْمُسْلِمِ وَالْمُسْلِمَةِ. وَهُوَ عِنْدَهُمْ أَمَارَةٌ عَلَى الْبُلُوغِ بِالسِّنِّ أَوْ بِالإِْنْزَال، وَلَيْسَ بُلُوغًا حَقِيقَةً. قَالُوا: وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يَحْتَلِمْ، وَشَهِدَ عَدْلاَنِ بِأَنَّ عُمُرَهُ دُونَ خَمْسَةَ عَشْرَةَ سَنَةً، لَمْ يُحْكَمْ بِبُلُوغِهِ بِالإِْنْبَاتِ.
وَإِنَّمَا فَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِ فِي ذَلِكَ لِسُهُولَةِ مُرَاجَعَةِ آبَاءِ الْمُسْلِمِ وَأَقَارِبِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ؛ وَلأَِنَّ الصَّبِيَّ الْمُسْلِمَ مُتَّهَمٌ فِي الإِْنْبَاتِ، فَرُبَّمَا تَعَجَّلَهُ بِدَوَاءٍ دَفْعًا لِلْحَجْرِ عَنْ نَفْسِهِ وَتَشَوُّفًا لِلْوِلاَيَاتِ، بِخِلاَفِ الْكَافِرِ فَإِنَّهُ لاَ يَسْتَعْجِلُهُ. (?)
14 - وَيَرَى بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الإِْنْبَاتَ يُقْبَل عَلاَمَةً فِي أَعَمِّ مِمَّا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيَّةُ، فَقَدْ قَال ابْنُ رُشْدٍ: إِنَّ الإِْنْبَاتَ عَلاَمَةٌ فِيمَا بَيْنَ الشَّخْصِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِنَ الآْدَمِيِّينَ مِنْ قَذْفٍ وَقَطْعٍ وَقَتْلٍ.
وَأَمَّا فِيمَا بَيْنَ الشَّخْصِ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَلاَ خِلاَفَ - يَعْنِي عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ - أَنَّهُ لَيْسَ بِعَلاَمَةٍ.