وَمِنْ جَهْلِهِمْ بِالسُّنَّةِ، جَهْلُهُمْ بِدَوْرِهَا فِي التَّشْرِيعِ، وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَكَانَةَ السُّنَّةِ فِي التَّشْرِيعِ: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُول فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (?) .
د - تَحْسِينُ الظَّنِّ بِالْعَقْل:
18 - عَدَّ الْعُلَمَاءُ مِنْ دَوَاعِي الْبِدْعَةِ تَحْسِينَ الظَّنِّ بِالْعَقْل، وَيَتَأَتَّى هَذَا مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمُبْتَدِعَ يَعْتَمِدَ عَلَى عَقْلِهِ، وَلاَ يَعْتَمِدُ عَلَى الْوَحْيِ وَإِخْبَارِ الْمَعْصُومِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَجُرُّهُ عَقْلُهُ الْقَاصِرُ إِلَى أَشْيَاءَ بَعِيدَةٍ عَنِ الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ، فَيَقَعُ بِذَلِكَ فِي الْخَطَأِ وَالاِبْتِدَاعِ، وَيَظُنُّ أَنَّ عَقْلَهُ مُوَصِّلُهُ، فَإِذَا هُوَ مُهْلِكُهُ.
وَهَذَا لأَِنَّ اللَّهَ جَعَل لِلْعُقُول فِي إِدْرَاكِهَا حَدًّا تَنْتَهِي إِلَيْهِ لاَ تَتَعَدَّاهُ، مِنْ نَاحِيَةِ الْكَمِّ وَمِنْ نَاحِيَةِ الْكَيْفِ. أَمَّا عِلْمُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ فَلاَ يَتَنَاهَى، وَالْمُتَنَاهِي لاَ يُسَاوِي مَا لاَ يَتَنَاهَى.
وَيَتَخَلَّصُ مِنْ ذَلِكَ:
(?) أَنَّ الْعَقْل مَا دَامَ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ لاَ يُجْعَل حَاكِمًا بِإِطْلاَقٍ، وَقَدْ ثَبَتَ عَلَيْهِ حَاكِمٌ بِإِطْلاَقٍ، وَهُوَ الشَّرْعُ، وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُقَدِّمَ مَا حَقُّهُ التَّقْدِيمُ، وَيُؤَخِّرَ مَا حَقُّهُ التَّأْخِيرُ.
(2) إِذَا وَجَدَ الإِْنْسَانُ فِي الشَّرْعِ أَخْبَارًا يَقْتَضِي ظَاهِرُهَا خَرْقَ الْعَادَةِ الْمَأْلُوفَةِ - الَّتِي لَمْ يَسْبِقْ لَهُ أَنْ رَآهَا أَوْ عَلِمَ بِهَا عِلْمًا صَحِيحًا -