وَمِنْ هُنَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ مَعَ الْجُمْهُورِ فِي تَحْكِيمِ الْعُرْفِ.
35 - وَتَتَعَيَّنُ الْمَنْفَعَةُ أَيْضًا بِبَيَانِ الْمُدَّةِ، إِذَا كَانَتِ الْمَنْفَعَةُ مَعْرُوفَةً بِذَاتِهَا، كَاسْتِئْجَارِ الدُّورِ لِلسُّكْنَى. فَإِنَّ الْمُدَّةَ إِذَا كَانَتْ مَعْلُومَةً كَانَ قَدْرُ الْمَنْفَعَةِ مَعْلُومًا، وَالتَّفَاوُتُ بِكَثْرَةِ السُّكَّانِ يَسِيرٌ، كَمَا يَرَى الْحَنَفِيَّةُ. وَيَرَى الصَّاحِبَانِ أَنَّ كُل مَا كَانَ أُجْرَةً يَجِبُ بِالتَّسْلِيمِ، وَلاَ يُعْلَمُ وَقْتُ التَّسْلِيمِ، فَهُوَ بَاطِلٌ، وَيَرَى الإِْمَامُ جَوَازَهُ.
وَهَذَا الشَّرْطُ غَيْرُ مُطَّرِدٍ، فَلاَ بُدَّ مِنْهُ فِي بَعْضِ الإِْجَارَاتِ، كَالْعَبْدِ لِلْخِدْمَةِ، وَالْقِدْرِ لِلطَّبْخِ، وَالثَّوْبِ لِلُّبْسِ. وَفِي الْبَعْضِ لاَ يُشْتَرَطُ. (?)
وَالْحَنَابِلَةُ وَضَعُوا ضَابِطًا وَاضِحًا، فَهُمْ يَشْتَرِطُونَ أَنْ تَكُونَ الْمُدَّةُ مَعْلُومَةً فِي إِجَارَةِ الْعَيْنِ لِمُدَّةٍ، كَالدَّارِ وَالأَْرْضِ وَالآْدَمِيِّ لِلْخِدْمَةِ أَوْ لِلرَّعْيِ أَوْ لِلنَّسْجِ أَوْ لِلْخِيَاطَةِ؛ لأَِنَّ الْمُدَّةَ هِيَ الضَّابِطُ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَيُعْرَفُ بِهَا. وَقِيل فِيهَا: إِنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ بَقَاءُ الْعَيْنِ فِيهَا وَإِنْ طَالَتِ الْمُدَّةُ. وَأَمَّا إِجَارَةُ الْعَيْنِ لِعَمَلٍ مَعْلُومٍ، كَإِجَارَةِ دَابَّةٍ مَوْصُوفَةٍ فِي الذِّمَّةِ لِلرُّكُوبِ عَلَيْهَا إِلَى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ، فَإِنَّهُ لاَ اعْتِبَارَ لِلْمُدَّةِ فِيهَا.
وَيُوَافِقُهُمُ الشَّافِعِيَّةُ فِي ذَلِكَ عُمُومًا. (?)
وَيَقْرَبُ مِنْ هَذَا الْمَالِكِيَّةُ، إِذْ قَالُوا: يَتَحَدَّدُ أَكْثَرُ الْمُدَّةِ فِي بَعْضِ الإِْجَارَاتِ، كَإِجَارَةِ الدَّابَّةِ لِسَنَةٍ، وَالْعَامِل لِخَمْسَةَ عَشَرَ عَامًا، وَالدَّارِ حَسَبَ حَالَتِهَا،