وَإِذْ قَدْ كَانَ الأَْمْرُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَقَدِ اعْتُرِضَ عَلَى الْقَائِلِينَ بِالْمُنَاسَبَةِ بِأَنَّ الْمُنَاسِبَ وَصْفٌ غَيْرُ مُنْضَبِطٍ مِثْل الْحَرَجِ وَالزَّجْرِ وَنَحْوِهِمَا، فَإِنَّهَا مُشَكِّكَاتٌ، وَلاَ يُعْتَبَرُ كُل قَدْرٍ مِنْ آحَادِهَا. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْوَصْفَ الْمُنَاسِبَ مُنْضَبِطٌ، وَطُرُقُ انْضِبَاطِهِ ثَلاَثَةٌ:
الأُْولَى: أَنْ يَنْضَبِطَ بِنَفْسِهِ بِأَنْ يَعْتَبِرَ مُطْلَقَهُ كَالإِْيمَانِ لَوْ قِيل بِتَشْكِيكِ الْيَقِينِ، فَالْمُعْتَبَرُ مُطْلَقُ الْيَقِينِ فِي أَيِّ فَرْدٍ تَحَقَّقَ مِنْ أَفْرَادِهِ الْمُخْتَلِفَةِ.
الثَّانِيَةُ: أَنْ يَنْضَبِطَ فِي الْعُرْفِ كَالْمَنْفَعَةِ وَالْمَضَرَّةِ، فَإِنَّهُمَا وَصْفَانِ مَضْبُوطَانِ عُرْفًا.
الثَّالِثَةُ: أَنْ يَنْضَبِطَ فِي الشَّرْعِ بِالْمَظِنَّةِ كَالسَّفَرِ، فَإِنَّ مَرْتَبَةَ الْحَرَجِ إِنَّمَا تَتَعَيَّنُ بِهِ، وَكَالْحَدِّ فَإِنَّهُ بِهِ يَتَحَدَّدُ مِقْدَارُ الزَّجْرِ. (?)
3 - يَصِحُّ السَّلَمُ فِي الْمُخْتَلَطِ بِسَبَبِ الصَّنْعَةِ، إِذَا انْضَبَطَتْ عِنْدَ أَهْل تِلْكَ الصَّنْعَةِ الأَْجْزَاءُ الْمَقْصُودَةُ الَّتِي صُنِعَ مِنْهَا الْمُسْلَمُ فِيهِ، وَذَلِكَ كَالْعَتَّابِيِّ، وَهُوَ مَا رُكِّبَ مِنْ قُطْنٍ وَحَرِيرٍ، وَكَالْخَزِّ وَهُوَ مَا رُكِّبَ مِنْ حَرِيرٍ وَوَبَرٍ وَصُوفٍ، فَلاَ بُدَّ لِكُلٍّ مِنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ مَعْرِفَةُ وَزْنِ كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الأَْجْزَاءِ؛ لأَِنَّ الْقِيَمَ وَالأَْغْرَاضَ تَتَفَاوَتُ بِذَلِكَ تَفَاوُتًا ظَاهِرًا، (?) فَإِذَا لَمْ تُضْبَطْ هَذِهِ الأُْمُورُ أَدَّى ذَلِكَ إِلَى النِّزَاعِ، وَمِنْ بَابِ أَوْلَى إِذَا كَانَتْ بِحَيْثُ لاَ يُمْكِنُ ضَبْطُهَا.