وَأَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَأَعْرَاضِهِمْ، وَيَتَّجِهُ تَفْكِيرُهُمْ إِلَى مَا يَرْفَعُ شَأْنَ مُجْتَمَعِهِمْ وَيَنْهَضُ بِأُمَّتِهِمْ.

وَمِنْ طَبَائِعِ الْمُجْتَمَعَاتِ الْبَشَرِيَّةِ - كَمَا يَقُول ابْنُ خَلْدُونٍ - حُدُوثُ الاِخْتِلاَفِ بَيْنَهُمْ، وَوُقُوعُ التَّنَازُعِ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى الْمُشَاحَنَاتِ وَالْحُرُوبِ، وَإِلَى الْهَرَجِ وَسَفْكِ الدِّمَاءِ وَالْفَوْضَى، بَل إِلَى الْهَلاَكِ إِذَا خُلِّيَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَنْفُسِهِمْ بِدُونِ وَازِعٍ (?) .

وَبَيَّنَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ وُجُودَ الإِْمَامِ هُوَ الَّذِي يَمْنَعُ الْفَوْضَى، فَيَقُول: الإِْمَامَةُ مَوْضُوعَةٌ لِخِلاَفَةِ النُّبُوَّةِ فِي حِرَاسَةِ الدِّينِ وَسِيَاسَةِ الدُّنْيَا، وَلَوْلاَ الْوُلاَةُ لَكَانَ النَّاسُ فَوْضَى مُهْمَلِينَ وَهَمَجًا مُضَيَّعِينَ (?) .

ثُمَّ يُوَضِّحُ الْمَاوَرْدِيُّ وَاجِبَاتِ الإِْمَامِ فِي ذَلِكَ فَيَقُول: الَّذِي يَلْزَمُ الإِْمَامَ مِنَ الأُْمُورِ الْعَامَّةِ عَشَرَةُ أَشْيَاءَ:

أَحَدُهَا: حِفْظُ الدِّينِ عَلَى أُصُولِهِ الْمُسْتَقِرَّةِ وَمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ سَلَفُ الأُْمَّةِ، فَإِنْ نَجَمَ مُبْتَدِعٌ أَوْ زَاغَ ذُو شُبْهَةٍ عَنْهُ أَوْضَحَ لَهُ الْحُجَّةَ، وَبَيَّنَ لَهُ الصَّوَابَ، وَأَخَذَهُ بِمَا يَلْزَمُهُ مِنَ الْحُقُوقِ وَالْحُدُودِ، لِيَكُونَ الدِّينُ مَحْرُوسًا مِنْ خَلَلٍ، وَالأُْمَّةُ مَمْنُوعَةً مِنْ زَلَلٍ.

الثَّانِي: تَنْفِيذُ الأَْحْكَامُ بَيْنَ الْمُتَشَاجِرِينَ، وَقَطْعُ الْخِصَامِ بَيْنَ الْمُتَنَازِعِينَ، حَتَّى تَعُمَّ النَّصَفَةُ، فَلاَ يَتَعَدَّى ظَالِمٌ، وَلاَ يَضْعُفُ مَظْلُومٌ.

الثَّالِثُ: حِمَايَةُ الْبَيْضَةِ وَالذَّبُّ عَنِ الْحَرِيمِ لِيَتَصَرَّفَ النَّاسُ فِي الْمَعَايِشِ وَيَنْتَشِرُوا فِي الأَْسْفَارِ، آمِنِينَ مِنْ تَغْرِيرٍ بِنَفْسٍ أَوْ مَالٍ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015