فَقَدْ أَرَاقَ الرَّجُل مَا فِي الْمَزَادَتَيْنِ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ، وَلَوْ جَازَ تَخْلِيلُهَا لَمَا أَبَاحَ لَهُ إِرَاقَتَهَا، وَلَنَبَّهَهُ عَلَى تَخْلِيلِهَا. وَهَذَا نَهْيٌ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ، وَلَوْ كَانَ إِلَى اسْتِصْلاَحِهَا سَبِيلٌ مَشْرُوعٌ لَمْ تَجُزْ إِرَاقَتُهَا، بَل أَرْشَدَهُمْ إِلَيْهِ، سِيَّمَا وَهِيَ لأَِيْتَامٍ يَحْرُمُ التَّفْرِيطُ فِي أَمْوَالِهِمْ. وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - كَمَا يَقُولُونَ - فَقَدْ رَوَى أَسْلَمُ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَقَال: لاَ تَأْكُل خَلًّا مِنْ خَمْرٍ أُفْسِدَتْ، حَتَّى يَبْدَأَ اللَّهُ تَعَالَى إِفْسَادَهَا، وَذَلِكَ حِينَ طَابَ الْخَل، وَلاَ بَأْسَ عَلَى امْرِئٍ أَصَابَ خَلًّا مِنْ أَهْل الْكِتَابِ أَنْ يَبْتَاعَهُ مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُمْ تَعَمَّدُوا إِفْسَادَهَا فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقَعُ النَّهْيُ. (?) وَهَذَا قَوْلٌ يَشْتَهِرُ بَيْنَ النَّاسِ لأَِنَّهُ إِعْلاَنٌ لِلْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَلَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ. وَبِهِ قَال الزُّهْرِيُّ. وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالرَّاجِحُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ يَحِل شُرْبُهَا، وَيَكُونُ التَّخْلِيل جَائِزًا أَيْضًا، (?) لأَِنَّهُ إِصْلاَحٌ، وَالإِْصْلاَحُ مُبَاحٌ، قِيَاسًا عَلَى دَبْغِ الْجِلْدِ، فَإِنَّ الدِّبَاغَ يُطَهِّرُهُ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ} (?) وَقَال عَنْ جِلْدِ الشَّاةِ