وَقَدْ ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ أَلْفَاظًا مُتَعَدِّدَةً تُؤَدِّي مَعْنَى الإِْسْقَاطِ، وَذَلِكَ مِثْل: التَّرْكِ وَالْحَطِّ وَالْعَفْوِ وَالْوَضْعِ وَالإِْبْرَاءِ فِي بَرَاءَةِ الإِْسْقَاطِ وَالإِْبْطَال وَالإِْحْلاَل (?) ، وَالْمَدَارُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْعُرْفِ وَدَلاَلَةِ الْحَال، وَلِذَلِكَ جَعَلُوا مِنَ الأَْلْفَاظِ الَّتِي تَدُل عَلَيْهِ: الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْعَطِيَّةُ حِينَ لاَ يُرَادُ بِهَذِهِ الأَْلْفَاظِ حَقِيقَتُهَا وَهِيَ التَّمْلِيكُ، وَيَكُونُ الْمَقَامُ دَالًّا عَلَى الإِْسْقَاطِ، فَفِي شَرْحِ مُنْتَهَى الإِْرَادَاتِ: مَنْ أَبْرَأَ مِنْ دَيْنِهِ، أَوْ وَهَبَهُ لِمَدِينِهِ، أَوْ أَحَلَّهُ مِنْهُ، أَوْ أَسْقَطَهُ عَنْهُ، أَوْ تَرَكَهُ لَهُ، أَوْ مَلَّكَهُ لَهُ، أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ، أَوْ عَفَا عَنِ الدَّيْنِ، صَحَّ ذَلِكَ جَمِيعُهُ، وَكَانَ مُسْقِطًا لِلدَّيْنِ. وَإِنَّمَا صَحَّ بِلَفْظِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْعَطِيَّةِ، لأَِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ عَيْنٌ مَوْجُودَةٌ يَتَنَاوَلُهَا اللَّفْظُ انْصَرَفَ إِلَى مَعْنَى الإِْبْرَاءِ.
قَال الْحَارِثِيُّ: وَلِهَذَا لَوْ وَهَبَهُ دَيْنَهُ هِبَةً حَقِيقِيَّةً لَمْ يَصِحَّ، لاِنْتِفَاءِ مَعْنَى الإِْسْقَاطِ وَانْتِفَاءِ شَرْطِ الْهِبَةِ (?) .
وَكَمَا يَحْصُل الإِْسْقَاطُ بِالْقَوْل، فَإِنَّهُ يَحْصُل بِالْكِتَابَةِ الْمُعَنْوَنَةِ الْمَرْسُومَةِ، وَبِالإِْشَارَةِ الْمُفْهِمَةِ مِنْ فَاقِدِ النُّطْقِ (?) .
كَذَلِكَ قَدْ يَحْصُل الإِْسْقَاطُ بِالسُّكُوتِ، كَمَا إِذَا عَلِمَ الشَّفِيعُ بِبَيْعِ الْمَشْفُوعِ فِيهِ، وَسَكَتَ مَعَ إِمْكَانِ الطَّلَبِ، فَإِنَّ سُكُوتَهُ يُسْقِطُ حَقَّهُ فِي طَلَبِ الشُّفْعَةِ. (?)