بِكَذِبٍ فَالْكَذِبُ فِيهِ مُبَاحٌ، إِلاَّ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُحْتَرَزَ مِنْهُ مَا أَمْكَنَ؛ لأَِنَّهُ إِذَا فَتَحَ بَابَ الْكَذِبِ عَلَى نَفْسِهِ فَيُخْشَى أَنْ يَتَدَاعَى إِلَى مَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ، وَإِلَى مَا لاَ يَقْتَصِرُ عَلَى حَدِّ الضَّرُورَةِ، فَيَكُونُ الْكَذِبُ حَرَامًا إِلاَّ لِضَرُورَةٍ، وَالَّذِي يَدُل عَلَى هَذَا الاِسْتِثْنَاءِ مَا وَرَدَ عَنْ أُمِّ كُلْثُومٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: " أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ فَيَنْمِي خَيْرًا أَوْ يَقُول خَيْرًا (?) ، وَوَرَدَ عَنْهَا: لَمْ أَسْمَعْ يُرَخَّصُ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَقُول النَّاسُ كَذِبٌ إِلاَّ فِي ثَلاَثٍ: الْحَرْبِ، وَالإِْصْلاَحِ بَيْنَ النَّاسِ، وَحَدِيثِ الرَّجُل امْرَأَتَهُ وَحَدِيثِ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا (?) ، فَهَذِهِ الثَّلاَثُ وَرَدَ فِيهَا صَرِيحُ الاِسْتِثْنَاءِ وَفِي مَعْنَاهَا مَا عَدَاهَا إِذَا ارْتَبَطَ بِهِ مَقْصُودٌ صَحِيحٌ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ.
فَأَمَّا مَا هُوَ صَحِيحٌ لَهُ فَمِثْل أَنْ يَأْخُذَهُ ظَالِمٌ وَيَسْأَلَهُ عَنْ مَالِهِ فَلَهُ أَنْ يُنْكِرَهُ، أَوْ يَأْخُذَهُ سُلْطَانٌ فَيَسْأَلَهُ عَنْ فَاحِشَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ارْتَكَبَهَا فَلَهُ أَنْ يُنْكِرَ ذَلِكَ، فَيَقُول: مَا زَنَيْتُ، مَا سَرَقْتُ، وَقَال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اجْتَنِبُوا هَذِهِ الْقَاذُورَةَ الَّتِي نَهَى اللَّهُ عَنْهَا،