6 - ذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ أَنَّ لِلظَّنِّ حَالَتَيْنِ: حَالَةٌ تُعْرَفُ وَتَقْوَى بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الأَْدِلَّةِ فَيَجُوزُ الْحُكْمُ بِهَا، وَأَكْثَرُ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ، كَالْقِيَاسِ وَخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ قِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ وَأُرُوشِ الْجِنَايَاتِ.
وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ يَقَعَ فِي النَّفْسِ شَيْءٌ مِنْ غَيْرِ دَلاَلَةٍ، فَلاَ يَكُونُ ذَلِكَ أَوْلَى مِنْ ضِدِّهِ، فَهَذَا هُوَ الشَّكُّ، فَلاَ يَجُوزُ الْحُكْمُ بِهِ، وَهُوَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ فِي قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ} (?) ، وَفِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ (?) .
وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ وَالْخَطَّابِيُّ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ تَرْكَ الْعَمَل بِالظَّنِّ الَّذِي تُنَاطُ بِهِ الأَْحْكَامُ غَالِبًا، بَل الْمُرَادُ تَحْقِيقُ الظَّنِّ الَّذِي يَضُرُّ بِالْمَظْنُونِ بِهِ، وَكَذَا مَا يَقَعُ فِي الْقَلْبِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ، وَذَلِكَ أَنَّ أَوَائِل الظُّنُونِ إِنَّمَا هِيَ خَوَاطِرُ لاَ يُمْكِنُ دَفْعُهَا، وَمَا لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ لاَ يُكَلَّفُ بِهِ (?) ، وَيُؤَيِّدُهُ