وَقَدْ وَرَدَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مَا يَدُل عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْعَمَل بِالأَْحْكَامِ الاِسْتِثْنَائِيَّةِ بِمُقْتَضَى الضَّرُورَةِ، وَتَأَيَّدَ ذَلِكَ بِمَبْدَأَيِ الْيُسْرِ وَانْتِفَاءِ الْحَرَجِ اللَّذَيْنِ هُمَا صِفَتَانِ أَسَاسِيَّتَانِ فِي دِينِ الإِْسْلاَمِ وَشَرِيعَتِهِ.
أَمَّا الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ فَفِيهِ عِدَّةُ آيَاتٍ تَدُل عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْعَمَل بِمُقْتَضَى الضَّرُورَةِ وَاعْتِبَارِهَا فِي الأَْحْكَامِ.
مِنْهَا قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِل بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (?) .
وقَوْله تَعَالَى: {وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّل لَكُمْ مَا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} (?) .
فَهَاتَانِ الآْيَتَانِ، وَغَيْرُهُمَا تُبَيِّنُ تَحْرِيمَ تَنَاوُل مَطْعُومَاتٍ مُعَيَّنَةٍ كَالْمَيْتَةِ وَنَحْوِهَا، كَمَا أَنَّهَا تَتَضَمَّنُ اسْتِثْنَاءَ حَالَةِ الضَّرُورَةِ حِفَاظًا عَلَى النَّفْسِ مِنَ الْهَلاَكِ، وَالاِسْتِثْنَاءُ مِنَ التَّحْرِيمِ - كَمَا قَال الْبَزْدَوِيُّ - إِبَاحَةٌ، إِذِ الْكَلاَمُ صَارَ عِبَارَةً عَمَّا وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى، وَقَدْ كَانَ مُبَاحًا قَبْل التَّحْرِيمِ، فَيَبْقَى عَلَى مَا كَانَ فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ (?) .