وَقَال الشَّافِعِيُّ: إِنَّ الأَْرْضَ تُقْسَمُ بَيْنَ الْمُقَاتِلِينَ، كَمَا يُقْسَمُ الْمَنْقُول إِلاَّ أَنْ يَتْرُكُوا حَقَّهُمْ مِنْهَا بِعِوَضٍ، كَمَا فَعَل عُمَرُ مَعَ جَرِيرٍ الْبَجَلِيِّ، إِذْ أَنَّهُ عَوَّضَهُ سَهْمَهُ فِي أَرْضِ السَّوَادِ (?) . أَوْ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} (?) فَإِنَّهَا عَامَّةٌ فِي الْمَنْقُول وَالأَْرْضِ. وَيُفْهَمُ مِنْهَا أَنَّ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهَا لِلْمُقَاتِلِينَ، وَمَا قَال الشَّافِعِيُّ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَيْضًا.
26 - أَمَّا إِذَا لَمْ تُقْسَمِ الأَْرْضُ وَتُرِكَتْ بِأَيْدِي أَهْلِهَا، يَنْتَفِعُ الْمُسْلِمُونَ بِخَرَاجِهَا، فَقَدْ قَال جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ وَالْفُقَهَاءِ: إِنَّهَا أَرْضٌ مَوْقُوفَةٌ، لاَ يَجُوزُ بَيْعُهَا، وَلاَ شِرَاؤُهَا، وَلاَ هِبَتُهَا، وَلاَ تُورَثُ عَمَّنْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا مِنَ الْكُفَّارِ. وَذَلِكَ لِمَا رَوَى الأَْوْزَاعِيُّ أَنَّ عُمَرَ وَالصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لَمَّا ظَهَرُوا عَلَى الشَّامِ أَقَرُّوا أَهْل الْقُرَى فِي قُرَاهُمْ عَلَى مَا كَانَ بِأَيْدِيهِمْ مِنْ أَرْضِهِمْ، يَعْمُرُونَهَا وَيُؤَدُّونَ خَرَاجَهَا لِلْمُسْلِمِينَ، وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ لأَِحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ شِرَاءُ مَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنَ الأَْرْضِ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا.
وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ: إِنَّهَا مِلْكٌ لَهُمْ. لَهُمْ التَّصَرُّفُ فِيهَا بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْهِبَةِ، وَيَتَوَارَثُهَا عَنْهُمْ أَقَارِبُهُمْ، وَذَلِكَ لِمَا رَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ اشْتَرَى مِنْ دِهْقَانٍ أَرْضًا عَلَى أَنْ يَكْفِيَهُ خَرَاجَهَا، وَبِهَذَا قَال الثَّوْرِيُّ وَابْنُ سِيرِينَ (?) .