وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخُلَفَاؤُهُ الرَّاشِدُونَ يَسُوسُونَ النَّاسَ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، فَكَانَ الْحُكْمُ وَالسِّيَاسَةُ شَيْئًا وَاحِدًا. ثُمَّ لَمَّا اتَّسَعَتِ الدَّوْلَةُ ظَهَرَ الْفَصْل بَيْنَ الشَّرْعِ وَالسِّيَاسَةِ؛ لأَِنَّ أَهْل السُّلْطَةِ صَارُوا يَحْكُمُونَ بِالأَْهْوَاءِ مِنْ غَيْرِ اعْتِصَامٍ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ (?) .

قَال ابْنُ الْقَيِّمِ: تَقْسِيمُ بَعْضِهِمْ طُرُقَ الْحُكْمِ إِلَى شَرِيعَةٍ وَسِيَاسَةٍ، كَتَقْسِيمِ غَيْرِهِمُ الدِّينَ إِلَى شَرِيعَةٍ وَحَقِيقَةٍ، وَكَتَقْسِيمِ آخَرِينَ الدِّينَ إِلَى عَقْلٍ وَنَقْلٍ. . وَكُل ذَلِكَ تَقْسِيمٌ بَاطِلٌ؛ بَل السِّيَاسَةُ، وَالْحَقِيقَةُ، وَالطَّرِيقَةُ، وَالْعَقْل، كُل ذَلِكَ يَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ: صَحِيحٍ، وَفَاسِدٍ. فَالصَّحِيحُ قِسْمٌ مِنْ أَقْسَامِ الشَّرِيعَةِ لاَ قَسِيمٌ لَهَا، وَالْبَاطِل ضِدُّهَا وَمُنَافِيهَا، وَهَذَا الأَْصْل مِنْ أَهَمِّ الأُْصُول وَأَنْفَعِهَا، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ عُمُومُ رِسَالَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى كُل مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْعِبَادُ فِي مَعَارِفِهِمْ وَعُلُومِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ، وَأَنَّهُ لَمْ يُحْوِجْ أُمَّتَهُ إِلَى أَحَدٍ بَعْدَهُ، وَإِنَّمَا حَاجَتُهُمْ إِلَى مَنْ يُبَلِّغُهُمْ عَنْهُ مَا جَاءَ بِهِ (?) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015