€566¢محرم¤1170¥
لما بلغ نور الدين محموداً وفاة أخيه قطب الدين مودود، صاحب الموصل، وملك ولده سيف الدين غازي الموصل والبلاد التي كانت لأبيه، بعد وفاته، وقيام فخر الدين عبد المسيح بالأمر معه، وتحكمه عليه، أنف لذلك وكبر لديه وعظم عليه، وكان يبغض فخر الدين لما يبلغه عنه من خشونة سياسته، فقال: أنا أولى بتدبير أولاد أخي وملكهم؛ وسار عند انقضاء العزاء جريدة في قلة من العسكر، وعبرت الفرات، عند قلعة جعبر، مستهل المحرم، وقصد الرقة فحصرها وأخذها، ثم سار إلى الخابور فملكه جميعه، وملك نصيبين وأقام فيها يجمع العساكر، فأتاه بها نور الدين محمد بن قرا أرسلان بن داود، صاحب حصن كيفا، وكثر جمعه، وكان قد ترك أكثر عساكره في الشام لحفظ ثغوره، فلما اجتمعت العساكر سار إلى سنجار فحصرها، ونصب عليها المجانيق وملكها، وسلمها إلى عماد الدين ابن أخيه قطب الدين، وكان قد جاءته كتب الأمراء الذين بالموصل سراً، يبذلون له الطاعة، ويحثونه على الوصول إليهم، فسار إلى الموصل، وكان سيف الدين غازي وفخر الدين قد سيرا عز الدين مسعود بن قطب الدين إلى أتابك شمس الدين إيلدكز، صاحب همذان وبلد الجبل، وأذربيجان، وأصفهان، والري وتلك البلاد يستنجده على عمه نور الدين، فأرسل إيلدكز رسولاً إلى نور الدين ينهاه عن التعرض للموصل، ويقول له: إن هذه البلاد للسلطان، فلا تقصدها؛ فلم يلتفت إليه، فأقام نور الدين على الموصل، فعزم من بها من الأمراء على مجاهرة فخر الدين عبد المسيح بالعصيان، وتسليم البلد إلى نور الدين فعلم ذلك، فأرسل إلى نور الدين بتسليم البلد إليه على أن يقره بيد سيف الدين، ويطلب لنفسه الأمان ولماله، فأجابه إلى ذلك، وشرط أن فخر الدين يأخذه معه إلى الشام، ويعطيه عنده إقطاعاً يرضيه، فتسلم البلد ثالث عشر جمادى الأولى، ودخل القلعة من باب السر لأنه لما بلغه عصيان عبد المسيح عليه حلف أن لا يدخلها إلا من أحصن موضع فيها، ولما ملكها أطلق ما بها من المكوس وغيرها من أبواب المظالم، وكذلك فعل بنصيبين وسنجار والخابور، وهكذا كان جميع بلاده من الشام ومصر، واستناب في قلعة الموصل خصياً له اسمه كمشتكين، ولقبه سعد الدين، وأمر سيف الدين أن لا ينفرد عنه بقليل من الأمور ولا بكثير، وحكمه في البلاد وأقطع مدينة سنجار لعماد الدين ابن أخيه قطب الدين، وكان مقام نور الدين بالموصل أربعة وعشرين يوما واستصحب معه فخر الدين عبد المسيح، وغير اسمه فسماه عبد الله، وأقطعه إقطاعاً كبيراً.
£