الله على ما بين يديه مما تقدم من أمر الله، وعلى ما وراء الوقت مما تأخر من أمر الله، فلما كان على ذلك من الإحاطة فى إدراك مدركات القلوب جعل الله تعالى له- صلى الله عليه وسلم- مثل ذلك فى مدركات العيون، فكان يرى المحسوسات من وراء ظهره كما يراها من بين يديه كما قال- صلى الله عليه وسلم-. انتهى.
ومن الغريب ما ذكره الزاهدى بختيار محب بن محمود، شارح القدورى فى رسالته الناصرية أنه- صلى الله عليه وسلم- كان له بين كتفيه عينان كسم الخياط يبصر بهما، ولا تحجبهما الثياب؟؟؟ (?) .
وقيل: بل كانت صورهم تنطبع فى حائط قبلته كما تنطبع فى المرآة أمثلتهم فيها، فيشاهد أفعالهم وهذا إن كان نقلا عن الشارع- عليه السّلام- بطريق صحيح فمقبول وإلا فليس المقام مقام رأى، على أن الأقعد فى إثبات كونه معجزة حملها على الإدراك من غير آلة والله أعلم.
وقد ذهب بعضهم إلى أن هذه الرؤية رؤية قلبه الشريف. وعن بعضهم: المراد بها العلم إما بأن يوحى الله إليه كيفية فعلهم، وإما بأن يلهم، والصحيح والصواب ما تقدم (?) وقد استشكل على قول من يقول: إن المراد بذلك العلم، ما ذكره ابن الجوزى فى بعض كتبه بغير إسناد أنه- صلى الله عليه وسلم- قال:
«إنى لا أعلم ما وراء جدارى هذا» فإن صح فالمراد منه نفى العلم بالمغيبات، فكيف يجتمعان؟
وأجيب: بأن الأحاديث الأول ظاهرها ينطق باختصاص ذلك بحالة الصلاة، ويحمل المطلق منها على المقيد. وأما إذا ذهبنا إلى الإدراك بالبصر- وهو الصواب- فلا إشكال، لأن نفى العلم هنا عن الغيب وذاك عن مشاهدة.
وفى «المقاصد الحسنة» للحافظ شمس الدين السخاوى حديث: «ما أعلم ما خلف جدارى هذا» (?) قال شيخنا- يعنى شيخ الإسلام ابن حجر-: