ولا ريب أن طب النبى- صلى الله عليه وسلم- متيقن البرء، لصدوره عن الوحى ومشكاة النبوة، وطب غيره أكثره حدس وتجربة، وقد يتخلف الشفاء عن بعض من يستعمل طب النبوة، وذلك لمانع قام بالمستعمل، من ضعف اعتقاد الشفاء به وتلقيه بالقبول. وأظهر الأمثلة فى ذلك القرآن، الذى هو شفاء لما فى الصدور، ومع ذلك فقد لا يحصل لبعض الناس شفاء صدره به لقصوره فى الاعتقاد والتلقى بالقبول، بل لا يزيد المنافق إلا رجسا إلى رجسه، ومرضا إلى مرضه، فطب النبوة لا يناسب إلا الأبدان الطيبة، والقلوب الحية.
فإعراض الناس عن طب النبوة لإعراضهم عن الاستشفاء بالقرآن الكريم الذى هو الشفاء النافع. وكان علاجه- صلى الله عليه وسلم- للمريض على ثلاثة أنواع:
أحدها: بالأدوية الإلهية الروحانية. والثانى: بالأدوية الطبيعية.
والثالث: بالمركب من الأمرين.
اعلم أن الله تعالى لم ينزل من السماء شفاء قط أعم- ولا أنفع ولا أعظم ولا أنجع فى إزالة الداء- من القرآن، فهو للداء شفاء، ولصدأ القلوب جلاء، كما قال تعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (?) .
ولفظه «من» - كما قال الإمام فخر الدين (?) - ليست للتبعيض بل للجنس، والمعنى: وننزل من هذا الجنس الذى هو القرآن شفاء من الأمراض الروحانية وشفاء أيضا من الأمراض الجسمانية. أما كونه شفاء من الأمراض الروحانية فظاهر، وذلك لأن المرض الروحانى نوعان: