قال: نعم، قيل له من أين ذلك؟ قال: من وجود ذلك عن سيد المتوكلين، الذى لم يلحقه لا حق، ولا يسبقه فى التوكل سابق، محمد خير البرية- صلى الله عليه وسلم-. قيل له: ما تقول فى خبر النبى- صلى الله عليه وسلم-: «من استرقى أو اكتوى برئ من التوكل» (?) ؟ قال: برئ من توكل المتوكلين الذين ذكرهم فى حديث آخر فقال: «يدخل الجنة من أمتى سبعون ألفا بغير حساب» (?) ، وأما سواهم من المتوكلين فمباح لهم الدواء والاسترقاء. فجعل المحاسبى التوكل بعضه أفضل من بعض.

وقال فى «التمهيد» : إنما أراد بقوله: «برئ من التوكل» إذا استرقى الرقى المكروهة فى الشريعة، أو اكتوى وهو يعلق رغبته فى الشفاء بوجود الكى، وكذلك قوله «لا يسترقون» الرقى المخالفة للشريعة، «لا يكتوون» وقلوبهم معلقة بنفع الكى ومعرضة عن فعل الله تعالى وأن الشفاء من عنده.

وأما إذا فعل ذلك على ما جاء فى الشريعة، وكان ناظرا إلي رب الدواء، وتوقع الشفاء من الله تعالى، وقصد بذلك استعمال بدنه إذا صح لله تعالى، وإتعاب نفسه وكدها فى خدمة ربه، فتوكله باق على حاله لا ينقص منه الدواء شيئا، استدلالا بفعل سيد المتوكلين إذ عمل بذلك فى نفسه وفى غيره انتهى.

فقد تبين أن التداوى لا ينافى التوكل، بل لا تتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التى نصبها الله تعالى مقتضيات لمسبباتها قدرا وشرعا، وأن تعطيلها يقدح فى نفس التوكل، كما يقدح فى الأمر والحكمة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015