فانظر إلى بدن عليل قد تراكمت عليه الأخلاط ومواد المرض، وهو لا يستفرغها ولا يحتمى لها، كيف تكون صحته وبقاؤه، وقد أحسن القائل:

جسمك بالحمية حصنته ... مخافة من ألم طارى

وكان أولى بك أن تحتمى ... من المعاصى خشية النار

فمن حفظ القوة بامتثال الأوامر، واستعمل الحمية باجتناب النواهى، واستفرغ التخليط بالتوبة النصوح، لم يدع للخير مطلبا، ولا للشر مهربا، وفى حديث أنس: «ألا أدلكم على دائكم ودوائكم، ألا إن داءكم الذنوب، ودواءكم الاستغفار» (?) . فقد ظهر لك أن طب القلوب ومعالجتها لا سبيل إلى معرفته إلا من جهة الرسول- صلى الله عليه وسلم- بواسطة الوحى.

وأما طب الأجساد فغالبه يرجع إلى التجربة. ثم هو نوعان:

نوع لا يحتاج إلى فكر ونظر، بل فطر الله على معرفته الحيوانات، مثل ما يدفع الجوع والعطش والبرد والتعب، وهذا لا يحتاج فيه إلى معالجة طبيب.

ونوع يحتاج إلى الفكر والنظر، كدفع ما يحدث فى البدن مما يخرجه عن الاعتدال، وهو إما حرارة أو برودة، وكل منهما: إما إلى رطوبة أو يبوسة، أو إلى ما يتركب منهما، وغالب ما يقاوم الواحد منها بضده، والدفع قد يقع من خارج البدن، وقد يقع داخله وهو من أعسرهما، والطريق إلى معرفته بتحقيق السبب والعلامة. فالطبيب الحاذق هو الذى يسعى فى تفريق ما يضر بالبدن جمعه، أو عكسه، وفى تنقيص ما يضر بالبدن زيادته أو عكسه، ومدار ذلك على ثلاثة أشياء: حفظ الصحة. والاحتماء عن المؤذى واستفراغ المادة الفاسدة. وقد أشير إلى الثلاثة فى القرآن:

فالأول: فى قوله تعالى: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015