فوجد لذاذة العيش وراحة التفويض، ولما رضى بالله ربّا كان له الرضى من الله، وإذا كان له الرضى من الله أوجده الله حلاوة ذلك ليعلم ما منّ به عليه، وليعرف إحسانه عليه، ولما سبقت لهذا العبد العناية خرجت له العطايا من خزائن المنن، فلما واصلته أمداد الله وأنواره عوفى قلبه من الأمراض والأسقام، فكان سليم الإدراك فأدرك لذاذة الإيمان وحلاوته لصحة إدراكه وسلامة ذوقه. وقوله- صلى الله عليه وسلم-: «وبالإسلام دينا» لأنه إذا رضى بالإسلام دينا فقد رضى به المولى، ولازم من رضى بمحمد نبيّا أن يكون له وليّا، وأن يتأدب بادابه ويتخلق بأخلاقه زهدا فى الدنيا وخروجا عنها، وصفحا عن الجناة وعفوا عمن أساء إليه، إلى غير ذلك من تحقيق المتابعة قولا وفعلا، وأخذا وتركا، وحبّا وبغضا، فمن رضى بالله استسلم له، ومن رضى بالإسلام عمل له، ومن رضى بمحمد- صلى الله عليه وسلم- تابعه، ولا يكون واحد منها إلا بكلها، إذ محال أن يرضى بالله ربّا ولا يرضى بالإسلام دينا، أو يرضى بالإسلام دينا ولا يرضى بمحمد نبيّا، وتلازم ذلك بين لا خفاء فيه. انتهى ملخصا.
واعلم أن محبة الله على قسمين: فرض وندب.
والرضى بما يقدره، فمن وقع فى معصية من فعل محرم أو ترك واجب فلتقصيره فى محبة الله حيث قدم هوى نفسه، والتقصير يكون مع الاسترسال فى المباحات والاستكثار منها فيورث الغافلة المقتضية للتوسع فى الرجاء فيقدم على المعصية، أو تستمر الغافلة فيقع وهذا الثانى يسرع إلى الإقلاع مع الندم.
والمتصف بذلك فى عموم الأوقات والأحوال نادر.
وفى البخارى من حديث أبى هريرة عن النبى- صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن ربه تعالى أنه قال: «ما تقرب إلى عبدى بمثل أداء ما افترضته عليه- وفى رواية: بشىء أحب إلى من أداء ما افترضته عليه- ولا يزال عبدى يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذى يسمع به، وبصره الذى