فبيانه- صلى الله عليه وسلم- ونصحه رحمة، ودعاؤه واستغفاره رحمة، فرزق ذلك من قبله، وحرمه من رده. فإن قلت: كيف كان رحمة، وقد جاء بالسيف واستباحة الأموال؟ فالجواب: من وجهين:

أحدهما: أنه إنما جاء بالسيف، لمن استكبر وعاند، ولم يتفكر ولم يتدبر، ومن أوصاف الله تعالى: الرحمن الرحيم، ثم هو منتقم من العصاة، وقد قال تعالى: وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً «1» ثم قد يكون سببا للفساد.

وثانيهما: أن كل نبى من الأنبياء قبل نبينا إذا كذبه قومه أهلك الله المكذبين بالخسف والمسخ والغرق، وقد أخر الله تعالى عذاب من كذب نبينا إلى الموت، أو إلى القيامة. لا يقال: إنه تعالى قال: قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ «2» ، وقال تعالى: لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ «3» ، لأنا نقول:

تخصيص العام لا يقدح فيه.

وفى «الشفاء» للقاضى عياض: وحكى أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال لجبريل: «هل أصابك من هذه الرحمة شىء؟» قال: نعم، كنت أخشى العاقبة فأمنت، لثناء الله تعالى علىّ بقوله عز وجل: ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ «4» . انتهى.

وذكره السمرقندى: فى تفسيره بلفظ. وذكر أن النبى- صلى الله عليه وسلم- قال لجبريل يقول الله تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ «5» فهل أصابك من هذه الرحمة شىء؟ قال: نعم، أصابنى من هذه الرحمة شىء، كنت أخشى عاقبة الأمر فأمنت بك، لثناء الله تعالى علىّ فى قوله: ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ «6» .

وهذا يقتضى أن محمدا- صلى الله عليه وسلم- أفضل من جبريل، وهو الذى عليه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015