الموافقات (صفحة 823)

لَا يُقَالُ: إِنَّ كَوْنَهَا دَالَّةً بِالتَّبَعِ لَا يَنْفِي كَوْنَهَا دَالَّةً بِالْقَصْدِ، وَإِنْ كَانَ الْقَصْدُ ثَانِيًا كَمَا نَقُولُ فِي الْمَقَاصِدِ الشَّرْعِيَّةِ: إِنَّهَا مَقَاصِدُ أَصْلِيَّةٌ وَمَقَاصِدُ تَابِعَةٌ، وَالْجَمِيعُ مَقْصُودٌ لِلشَّارِعِ، وَيَصِحُّ مِنَ الْمُكَلَّفِ الْقَصْدُ إِلَى الْمَقَاصِدِ التَّابِعَةِ مَعَ الْغَفْلَةِ عَنِ الْأَصْلِيَّةِ، وَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ1 في أحكام التكليف حسبما يَأْتِي بَعْدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَكَذَلِكَ نَقُولُ هُنَا: إِنْ دَلَالَةَ الْجِهَةِ الثَّانِيَةِ لَا تَمْنَعُ2 قَصْدَ الْمُكَلَّفِ إِلَى فَهْمِ الْأَحْكَامِ مِنْهَا؛ لِأَنَّ نِسْبَتَهَا مِنْ فَهْمِ الشَّرِيعَةِ نِسْبَةُ تِلْكَ مِنَ الأخذ بها عملا، وإذا اتحدت النسبةكان التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا غَيْرَ صَحِيحٍ، وَلَزِمَ مِنِ اعْتِبَارِ إِحْدَاهُمَا اعْتِبَارُ الْأُخْرَى، كَمَا يَلْزَمُ مِنْ إِهْمَالِ إِحْدَاهُمَا إِهْمَالُ الْأُخْرَى.

لِأَنَّا نَقُولُ: هَذَا -إِنْ سُلِّمَ- مِنْ أَدَلِّ الدَّلِيلِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ النِّكَاحُ بِقَصْدِ قَضَاءِ الوَطَر مَثَلًا صَحِيحًا، مِنْ حَيْثُ كَانَ مُؤَكِّدًا لِلْمَقْصُودِ الْأَصْلِيِّ مِنَ النِّكَاحِ وَهُوَ النَّسْلُ، فَغَفْلَةُ الْمُكَلَّفِ عَنْ كَوْنِهِ مُؤَكِّدًا لَا يَقْدَحُ فِي كَوْنِهِ مُؤَكِّدًا فِي قَصْدِ الشَّارِعِ، فَكَذَلِكَ نَقُولُ فِي مَسْأَلَتِنَا: إِنَّ الْجِهَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ حَيْثُ الْقَصْدُ فِي اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ إِنَّمَا هِيَ مُؤَكِّدَةٌ لِلْأُولَى، فِي نَفْسِ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأُولَى، وَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ هُوَ الْمَعْنَى الْأَصْلِيُّ، فَالْمَعْنَى التَّبَعِيُّ رَاجِعٌ إِلَى الْمَعْنَى الْأَصْلِيِّ، وَيَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنْ لَا يَكُونَ فِي الْمَعْنَى التَّبَعِيِّ زِيَادَةٌ عَلَى الْمَعْنَى الْأَصْلِيِّ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.

وَأَيْضًا، فَإِنَّ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَرْقًا، وَذَلِكَ أَنَّ النِّكَاحَ بِقَصْدِ قَضَاءِ الْوَطَرِ إِنْ كَانَ دَاخِلًا مِنْ وَجْهٍ تَحْتَ الْمَقَاصِدِ التَّابِعَةِ لِلضَّرُورِيَّاتِ فَهُوَ دَاخِلٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ تَحْتَ الْحَاجِيَّاتِ؛ لِأَنَّهُ رَاجِعٌ إِلَى قَصْدِ التَّوْسِعَةِ عَلَى الْعِبَادِ فِي نَيْلِ مَآرِبِهِمْ، وَقَضَاءِ أَوْطَارِهِمْ، وَرَفْعِ الْحَرَجِ عَنْهُمْ، وَإِذَا دَخَلَ تحت أصل الحاجيات، صح

طور بواسطة نورين ميديا © 2015