الموافقات (صفحة 810)

بِعَيْنِهِ، فَإِنِ امْتَازُوا بِمَزِيدِ الْفَهْمِ لَمْ يُخْرِجْهُمْ ذَلِكَ عَنْ حُكْمِ الِاشْتِرَاكِ، فَإِنَّ ذَلِكَ الْمَزِيدَ أَصْلُهُ الْأَمْرُ الْمُشْتَرَكُ.

كَمَا نَقُولُ: إِنَّ الْوَرَعَ مَطْلُوبٌ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ عَلَى الْجُمْلَةِ، وَمَعَ ذَلِكَ، فَمِنْهُ مَا هُوَ مِنَ الْجَلَائِلِ، كَالْوَرَعِ عَنِ الْحَرَامِ الْبَيِّنِ، وَالْمَكْرُوهِ الْبَيِّنِ، وَمِنْهُ مَا لَيْسَ مِنَ الْجَلَائِلِ عِنْدَ قَوْمٍ، وَهُوَ مِنْهَا عِنْدَ قَوْمٍ آخَرِينَ، فَصَارَ الَّذِينَ عَدُّوهُ مِنَ الْجَلَائِلِ دَاخِلِينَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ عَلَى الْجُمْلَةِ وإن كانوا قد امتازوا عنهم بالورع على بَعْضِ مَا لَا يَتَوَرَّعُ عَنْهُ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ، بِنَاءً عَلَى الشَّهَادَةِ بِكَوْنِ الْمَوْضِعِ مُتَأَكَّدًا لِبَيَانِهِ أَوْ غَيْرَ مُتَأَكَّدٍ لِدِقَّتِهِ، وَهَكَذَا سَائِرُ الْمَسَائِلِ الَّتِي يَمْتَازُ بِهَا الْخَوَاصُّ عَنِ الْعَوَامِّ لَا تَخْرُجُ عَنْ هَذَا الْقَانُونِ، فَقَدْ بَانَ أَنَّ الْجَمِيعَ جَارُونَ عَلَى حُكْمِ أَمْرٍ مُشْتَرَكٍ1 مَفْهُومٍ لِلْجُمْهُورِ عَلَى الْجُمْلَةِ.

وَالثَّالِثُ:

أَنَّ مَا فِيهِ التَّفَاوُتُ إِنَّمَا تَجِدُهُ2 فِي الْغَالِبِ فِي الْأُمُورِ الْمُطْلَقَةِ فِي الشَّرِيعَةِ الَّتِي لَمْ يُوضَعْ لَهَا حَدٌّ يُوقَفُ عِنْدَهُ، بَلْ وُكِلَتْ إِلَى نَظَرِ الْمُكَلَّفِ، فَصَارَ كُلُّ أَحَدٍ فِيهَا مَطْلُوبًا بِإِدْرَاكِهِ، فَمِنْ مُدْرِكٍ فِيهَا أَمْرًا قَرِيبًا فَهُوَ3 الْمَطْلُوبُ مِنْهُ، وَمِنْ مُدْرِكٍ فِيهَا أَمْرًا هُوَ4 فَوْقَ الأول، فهو المطلوب منه، وربما تفاوت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015