الموافقات (صفحة 729)

فَقَدِ اتَّفَقُوا فِي الْجُمْلَةِ عَلَى اعْتِبَارِ إِقَامَةِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لَهَا أَوْ لِلْآخِرَةِ1، بِحَيْثُ مَنَعُوا مِنِ اتِّبَاعِ جُمْلَةٍ مِنْ أَهْوَائِهِمْ بِسَبَبِ ذَلِكَ، هَذَا وَإِنْ كَانُوا بِفَقْدِ الشَّرْعِ عَلَى غَيْرِ شَيْءٍ، فَالشَّرْعُ لَمَّا جَاءَ بَيَّنَ هَذَا كُلَّهُ، وَحَمَلَ الْمُكَلَّفِينَ عَلَيْهِ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لِيُقِيمُوا أَمْرَ دُنْيَاهُمْ لِآخِرَتِهِمْ.

وَالثَّالِثُ:

أَنَّ الْمَنَافِعَ وَالْمَضَارَّ عَامَّتَهَا أَنْ تَكُونَ إِضَافِيَّةً لَا حَقِيقِيَّةً، وَمَعْنَى كَوْنِهَا إِضَافِيَّةً أَنَّهَا مَنَافِعُ أَوْ مَضَارُّ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ، وَبِالنِّسْبَةِ إِلَى شَخْصٍ دُونَ شَخْصٍ، أَوْ وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ، فَالْأَكْلُ وَالشُّرْبُ مَثَلًا مَنْفَعَةٌ لِلْإِنْسَانِ ظَاهِرَةٌ، وَلَكِنْ عِنْدَ وُجُودِ دَاعِيَةِ الْأَكْلِ، وَكَوْنِ الْمُتَنَاوَلِ لَذِيذًا طَيِّبًا، لَا كَرِيهًا وَلَا مُرًّا، وَكَوْنِهِ لَا يُوَلِّدُ ضَرَرًا عَاجِلًا وَلَا آجِلًا، وَجِهَةُ اكْتِسَابِهِ لَا يَلْحَقُهُ بِهِ ضَرَرٌ عَاجِلٌ وَلَا آجِلٌ، وَلَا يَلْحَقُ غَيْرَهُ بِسَبَبِهِ أَيْضًا ضَرَرٌ عَاجِلٌ وَلَا آجِلٌ، وَهَذِهِ الْأُمُورُ2 قَلَّمَا تَجْتَمِعُ، فَكَثِيرٌ مِنَ الْمَنَافِعِ تَكُونُ ضَرَرًا عَلَى قَوْمٍ لَا مَنَافِعَ، أَوْ تَكُونُ ضَرَرًا فِي وَقْتٍ أَوْ حَالٍ، وَلَا تَكُونُ ضَرَرًا فِي آخَرَ، وَهَذَا كُلُّهُ بَيِّنٌ فِي كَوْنِ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ مَشْرُوعَةً أَوْ مَمْنُوعَةً لِإِقَامَةِ هَذِهِ الْحَيَاةِ، لَا لِنَيْلِ الشَّهَوَاتِ3، وَلَوْ كَانَتْ مَوْضُوعَةً لِذَلِكَ، لَمْ يَحْصُلْ ضَرَرٌ مَعَ مُتَابَعَةِ الْأَهْوَاءِ، وَلَكِنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَصَالِحَ وَالْمَفَاسِدَ لَا تَتْبَعُ الْأَهْوَاءَ.

وَالرَّابِعُ:

أَنَّ الْأَغْرَاضَ فِي الْأَمْرِ الْوَاحِدِ تَخْتَلِفُ، بِحَيْثُ إِذَا نَفِذَ غَرَضُ بَعْضٍ وَهُوَ مُنْتَفِعٌ بِهِ تَضَرَّرَ آخَرُ لِمُخَالِفَةِ غَرَضِهِ، فَحُصُولُ الِاخْتِلَافِ في الأكثر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015