عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا، وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الْأَعْلَى: 16] وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَلَمْ يَكُنْ تَفْضِيلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَعْضَ دُورِ الْأَنْصَارِ عَلَى بَعْضٍ تَنْقِيصًا بِالْمَفْضُولِ، وَلَوْ قُصِدَ ذَلِكَ، لَكَانَ أَقْرَبَ إِلَى الذَّمِّ مِنْهُ إِلَى الْمَدْحِ، وَقَدْ بَيَّنَ الْحَدِيثُ هَذَا الْمَعْنَى الْمُقَرَّرَ، فَإِنَّ فِي آخِرِهِ: فَلَحِقَنَا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، فَقَالَ: أَلَمْ تَرَ أَنَّ نَبِيَّ الله خير الأنصار، فجعلنا خيرا؟ فَقَالَ: "أَوَلَيْسَ بِحَسْبِكُمْ أنْ تَكُونُوا مَنِ الْأَخْيَارِ؟ "1، لَكِنَّ التَّقْدِيمَ فِي التَّرْتِيبِ يَقْتَضِي [رَفْعَ الْمَزِيَّةِ، وَلَا يَقْتَضِي] 2 اتِّصَافَ الْمُؤَخَّرِ بِالضِّدِّ، لَا قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا.
وَكَذَلِكَ يَجْرِي حُكْمُ التَّفْضِيلِ بَيْنَ الْأَشْخَاصِ، وَبَيْنَ الْأَنْوَاعِ، وَبَيْنَ الصِّفَاتِ، وَقَدْ قَالَ الله تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ} [البقرة: 253] .